أضرار النرجسية على صحة الرجل

ما معنى النرجسية؟

يشير مصطلح النرجسية Narcissism إلى الشعور العميق بأهمية الذات وإعلاء قيمة النفس، وقد جاء اسم النرجسية من أحد المخلوقات الإغريقية الأسطورية يُدعى بـ “نرجس” الذي وقع في حب انعكاس صورته على الماء، أما حديثًا فإن تحليك بالصفات النرجسية سيضعك في دائرة الإصابة بأحد اضطرابات الشخصية يُدعى باضطراب الشخصية النرجسية، والذي يؤثر على طبيعة تفكيرك وسلوكيات وعلاقاتك بالآخرين، لكن يجب التذكير هنا بتحلي معظم البشر أصلًا ببعض الخصال أو الصفات النرجسية، وهذا بالطبع لا يعني أنهم مصابون باضطراب الشخصية النرجسية، لذا فإن القول بأنك أصبحت مصابًا بهذا الاضطراب يجب أن يُطبق فقط في حال تسببت النرجسية لديك في حدوث انعكاسات سيئة أو ملحوظة على وظائفك الحياتية وعلاقات بالآخرين، وفي المناسبة فإن بعض الدراسات وجدت بأن 6.2% من الناس من المحتمل أن يكونوا مصابين باضطراب الشخصية النرجسية، كما أن فرص الإصابة بهذا الاضطراب تزداد أكثر لدى الرجال تحديدًا وليس لدى النساء، كذلك وينزاح هذا الاضطراب نحو الظهور أكثر عند الشباب، خاصة الذين لم يتزوجوا أو الذين مروا بتجربة الطلاق أو موت شريك الحياة.

كيف تضرّ النرجسية بصحة الرجل؟

تزداد فرص إصابة الرجال أصحاب الشخصية النرجسية بالاكتئاب والقلق، كما يميلون أكثر نحو الانعزال عن الناس والمجتمع، وقد يواجهون مشاكل في علاقتهم بالآخرين، وهنالك من يتحدث عن ارتفاع ملحوظ في فرص إصابتهم بأمراض القلب والشرايين أيضًا، وللأسف فإن بعضهم يميلون أكثر نحو الإدمان على المخدرات، والتحلي بالعدوانية والأفكار الانتحارية، وفي الحقيقة فإن الباحثون قد لاحظوا زيادة ملحوظة في خطر الموت انتحارًا عند المصابين باضطراب الشخصية النرجسية أكثر من أيّ اضطرابات شخصية أخرى، ومن الجدير بالذكر أن هنالك انتشار لوجود اضطرابات شخصية أخرى لدى النرجسيين أيضًا، كما تكثر حالات الانتحار الفجائية أو المرتبطة بالعار بين المصابين بالنرجسية، وهذه الحالات قد تنشأ أحيانًا نتيجة للتعرض لضغوطات الحياة المفاجئة؛ كفقدان الوظائف أو الأزمات المالية غير المتوقعة، وفي المناسبة فإن فرص الإدمان على الكحوليات والكوكايين -تحديدًا- تزداد أكثر لدى هؤلاء الأفراد أيضًا، وبما أن الرجل النرجسي غالبًا ما يتخذ وضعية دفاعية وعدوانية، فإنه ليس من الغريب أن يكون أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم ومشاكل صحية أخرى ناجمة عن ارتفاع الهرمونات المرتبطة بالتوتر.

صفات الرجل النرجسي

يتميز الرجل النرجسي بصفات وعلامات كثيرة، ويوجد بالطبع تباين في شدة أو مستوى خطورة هذه الأعراض بين الرجال، لكن عادةً ما تتضمن الآتي:

• اعتقاده بأهمية أو رفعة ذاته بين الناس على الرغم من عدم وجود إنجازات تُبرر هذه الأهمية.
• انشغال ذهنه دائمًا بالخيالات والأحلام حول النجاح، والسلطة، والجمال، وشريك الحياة المثالي.
• اعتقاده بأهمية أو رفعة الذات وضرورة نسج العلاقات مع الناس الذين يمتلكون مكانة مماثلة فقط.
• محاولة السيطرة أو احتكار الأحاديث مع الناس وتصغير أو تحقير الناس الذين يُنظر إليهم على أنهم أقل شأنًا.
• توقع موافقة الآخرين على الطلبات أو الرغبات الشخصية وإظهار الطاعة العمياء.
• فقدان القدرة أو حتى الرغبة في التعرف على حاجات ومشاعر الآخرين.
• النظر بعين حسودة إلى الآخرين والاعتقاد بأن الآخرين يحسدون النرجسيين.
• التصرف بطريقة متغطرسة ومشبعة بالكبرياء، وربما بتبجح وغرور وتظاهر كبير.
• النظر إلى الممتلكات الشخصية بأنها الأفضل دائمًا سواء أكانت سيارة أو حتى مكتبًا صغيرًا.
• شعوره بالغضب وفقدان الصبر عند عدم إظهار الآخرين معاملة خاصة لهم.
• المعاناة من صعوبة في السيطرة أو تنظيم العواطف والسلوكيات.
• الشعور بالاكتئاب والمزاجية بسبب فقدان الأمل في الوصول إلى الكمال.
• استغلال الآخرين للوصول إلى الأهداف المرجوة.
• المبالغة في مدح الإنجازات والمواهب الشخصية.
• مواجهة مشكلات عميقة في العلاقات مع الآخرين.
• إظهار الازدراء ومشاعر الغضب نحو الآخرين.
• الشعور الباطني بعدم الأمان، والعار، والإذلال.
• إحساسه بالأهمية المبالغ فيها للذات أو النفس.
• شعوره بأحقية حيازة إعجاب الآخرين باستمرار.

علاج النرجسية

يلجأ الطبيب إلى علاج اضطراب الشخصية النرجسية عبر الاستعانة بالعلاج النفسي أو العلاج بالكلام، وفي حال ظهرت النرجسية بالتزامن مع الاكتئاب أو مشاكل نفسية أخرى، فإن بوسع الطبيب حينئذ وصف بعض الأدوية لعلاج هذه المشاكل، لكن من الضروري التأكيد هنا على عدم وجود دواء مرخص لعلاج النرجسية، وهذا يعني أن العلاج النفسي هو العلاج الوحيد المتوفر للتعامل مع هذه المشكلة، ولحسن الحظ فإن بوسع العلاج النفسي مساعدة الرجل النرجسي على إنشاء علاقات سوية وإيجابية مع الآخرين، لكن بالطبع يصعب على الطبيب مهما اتبع من أساليب أن يغير صفات شخصية متجذرة في الرجل، وهذا يعني أن رؤية تغيرات ملحوظة في شخصية الرجل النرجسي قد تأخذ سنينًا طويلة، ومن المحتمل أن يفقد الرجل الأمل من العلاج النفسي خلال هذه المدة ويُلقي اللوم على نفسه، لكن على أية حال يبقى من الضروري التقيد بالعلاج النفسي حتى النهاية، كما لا مانع من اتباع العادات أو الأنماط الحياتية المناسبة خلال فترة العلاج؛ كالابتعاد عن الكحوليات والمخدرات، وممارسة الأنشطة البدنية، والانخراط في جلسات العلاج بالاسترخاء واليوغا.

مَعْلُومَة

حازت الأساطير اليونانية القديمة المتعلقة بنرجس وأوديب على اهتمام عالم النفس الشهير سيغموند فرويد الذي وصفها بأنها تُعبّر عن مواضيع وصفات متجذرة في النفس البشرية؛ فمثلًا وصف النرجسية بأنها مرحلة من مراحل النمو يمرّ بها الطفل الرضيع، وعادةً ما يشعر الطفل أثناء هذه المرحلة بأن الآخرين هم تمدد لنفسه وليسوا منفصلين عنه، وفي حال لم يتمكن الطفل الرضيع من مغادرة هذه المرحلة، فإنه سيُصاب بالنرجسية فيما بعد نتيجة لفشله في حب أو تقبل الآخرين ككيانات منفصلة عنه، وفيما بعد جاء خبراء وباحثون آخرون انفصلوا عن مدرسة التحليل النفسي لفرويد وأسسوا طرقًا أخرى للنظر إلى هذه المسائل، لكن لاحظ الباحثون حديثًا بأن النرجسية أصبحت منتشرة بوضوح في المجتمع ككل إلى درجة دفعت البعض منهم إلى القول بأن المجتمع أصبح كاملًا مصابًا باضطراب النرجسية، وهذا جاء على لسان الكثير من الناقدين الذي باتوا ينظرون إلى بعض المجتمعات بصفتها مجتمعات نرجسية.