القرآن الكريم

خواص سورة الفيل لهلاك الظالم

سورة الفيل

سورة الفيل من السور القصيرة في القراّن الكريم، وهي سورة مكية، ‌‌‌‌‌وقد وردت تسميتها باسم سورة ( ألم تر) في كلام بعض السلف، كان نزول سورة الفيل على الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم قبل نزول سورة الفلق، وقيل أيضًا قبل نزول سورة قريش، وبعد نزول سورة الكافرون، وفي الترتيب 19 من حيث النزول، والخامسة بعد المئة في ترتيب سُور المصحف العثمانيّ، وتقع السورة بآياتها الخمس في الربع الثامن من الحزب الستين من الجزء الثلاثين، وتبدأ آياتها بأسلوبٍ استفهاميٍّ يفيد النفي المقرر به لإثباته، قال تعالى: ‘”أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ. 

خواص سورة الفيل

اشتملت سورة الفيل في محاورها على واحدةٍ من أبرز وأهم القصص التي مرت على بيت الله الحرام، وهي قصة هدم الكعبة التي كانت بقيادة أبرهة الحبشي، وقد عُرفت في كتب التفسير بقصة أصحاب الفيل؛ بسبب جلبهم للأفيال معهم لهدم الكعبة، وقد كان الفيل غير معروفٍ عند العرب في ذلك الوقت، كما اشتملت السورة على ما يلي:

  •  الإشارة إلى حُرمة بيت الله الحرام، فقد جعل الله الكعبة حرمًا آمنًا، وأنّه تعالى المسؤول عن الدفاع عنها وحمايتها ممن أرادوا السوء بها.
  • تحذير ووعد من الله بإنزال العذاب الأليم بكلّ من يحاول الاعتداء على بيته الحرام، كما عُذِّب أصحاب الفيل لاعتدائهم عليه وهدمهم الكعبة، إذ إن الله تعالى قادر على قهر كل معتدٍ على حرماته، فهو سبحانه لا تُعجزه قوة ولا عدد، وكل شيءٍ مسخرٌ بأمره، ويتجلى هذا واضحًا عندما رفض الفيل التوجه إلى الكعبة، وفي الطيور التي رمت أعداء الله بالحجارة.
  • الإشارة إلى الرسول الكريم والمؤمنين معه بالثبات على الدعوة عندما خاطبه مباشرة في الآية الأولى؛ ذلك أنّ من دافع عن بيت الله الحرام ضد كيد الكائدين سيدافع حتمًا عن الرسول والمؤمنين، عندما قال تعالى: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ.
  • التذكير والتأكيد على قدرة الله؛ وأنّه سبحانه وتعالى غالبٌ على أمره، ويأتي هذا التنبيه خاصة إلى أهل قريش، فقد أكرم الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن أهلك أصحاب الفيل في العام نفسه الذي وُلد فيه، وقد ربط ابن كثير بين حادثة ولادة النبي الكريم وحادثة إهلاك أصحاب الفيل بقوله: “لم ننصركم “يا معشر قريش” على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد -صلى اللهُ عليه وسلم- خاتم الأنبياء”.
  • يظهر جليًا في آيات السورة غضب الله على من حاول هدم الكعبة، ولم يردعن النبي صلى الله عليه وسلم أي أحاديث مؤكدة يُحدثنا بها عن سورة الفيل؛ إلا أنه ورد عنه قراءتها في صلاة الفجر في الحج، كدليل وإشارة على فضله فعن المعرور بن سويدا: (خرجنا مع عمرَ في حجَّةٍ حجَّها، فقرأ بنا في الفجرِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعْلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل)

علاقة سورة الفيل بهلاك الظالم

تحدّثت سورة الفيل عن قصة أبره الحبشي ومحاولته هدم الكعبة، وكيف أن الله تعالى أهلكه وأهلك جيشه بطيور من السماء أهلكتهم جميعًا، وهذه من السنن الكونية في الأرض التي تفيد بأن من يتغطرس ويظلم ويتجبّر في الأرض فإن مصيره في النهاية الهلاك، فكم من قرية كانت ظالمة فأهلكها الله واستبدل بها قومًا آخرين، وهذه السنّة الكونية بهلاك الظالم لا تختص بسورة الفيل وحدها، فقد ذكرت في العديد من سور القرآن، وترديد قراءة سورة الفيل على الظالم للتخلص من ظلمه والانتقام منه لا يعلم له أصل في الكتاب والسنة، ولا يوجد دليل عليه، وهو أقرب إلى البدعة، إذ قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله : ومن البدع التخصيص بلا دليل ، بقراءة آية، أو سورة في زمان أو مكان أو لحاجة من الحاجات، وهكذا قصد التخصيص بلا دليل.

قصة أصحاب الفيل

قرر أبرهة الحبشي ويقال له أبرهة الأشرم أن يبنيَ كنيسةٍ عظيمةٍ يهدف من خلالها إلى تغيير وجهة حجّ العرب لتصبح كنيسته هي وجهتهم بدل الكعبة، إلا أنه قوبل بالرفض؛ فزحف باتجاه الكعبة ومعه جيش عظيم في مقدمته فيل، وقبل وصول الكعبة خرج إليه أحد ملوك اليمن يُقال له (ذو نفر) لكن أبرهة انتصر عليه وأسره، فقال له: “أيها الملك استبقني خيرًا لك” فاستبقاه وأوثقه، وعند وصول أبرهة وجيشه إلى بلاد (خنعم) خرج نفيل بن حبيب الخثعمي ليلاقيه بالإضافة إلى قبائل عربية أخرى فقاتلوه إلا أنه انتصر عليهم، وأخذ نفيل بن حبيب أسيرًا فقال له نفيل: “أيها الملك إنني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة، فاستبقني خيرًا لك” فاستبقاه أبرهة، وخرج كي يدلّه على الطريق وحاولت القبائل العربية جاهدةً مواجهة أبرهة وجيشه والتصدي لهم في الطريق إلى مكة إلا أنهم هُزموا جميعًا.

وعند وصول أبرهة إلى مكة التقى بعبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان سيد قريش وكبيرها ليسترد إبله من أبرهة، ووجه له عبارته الخالدة: “إن للبيت ربًّا سيحميه” ليعود سيد قريش إلى مكة ويطلب من أهلها الصعود إلى الجبال للاحتماء به، ثم رجع هو وبعض رجال قريش ليتحلّقوا بحلق الكعبة متضرعين ومتوسلين، ليُصدر أبرهة أوامره بهدم الكعبة لكن المفاجأة كانت بأن برك الفيل في أرضه، ورفض التحرك ليبدأ العذاب الرباني بقدوم جماعات من الطير (الأبابيل) وهي تحمل حجارة صغيرة الحجم رمتها على أبرهة وجيشه حتى أهلكتهم جميعًا.

عاقبة الظلم

حرّم الله تعالى الظلم على نفسه وعلى عباده، وتوعد سبحانه الظالمين بعذاب أليم في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب عواقبه الوخيمة على الأفراد وعلى المجتمعات، وقال الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي: (يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا). وتوعد الله تعالى الظالمين بعذاب أليم في الدنيا والآخرة، سنذكر فيما يلي بعض عواقب الظلم:

  • إن الظالم لا يُفلح في الدنيا ولا في الآخرة؛ فمن يسلك طريق الظلم، فإنه يسير في طريق مسدود لا خير فيه.
  • إن الظالم محروم من التوفيق والهداية.
  • يُعدّ الظلم سببًا لمصائب الدنيا من أسقام وأوجاع وفقر، وذهاب الأموال والأولاد، وغلاء الأسعار والقتل والتعذيب، وغيرها من المصائب التي تُكابدها الأمة بسبب تفشّي الظلم، وبما كسبت أيدي الناس.
  • إن الظلم هو سبب هلاك الأمم، فقد أهلك الله تعالى قرونًا وأقوامًا من الناس قبلنا، وما زال يهلك الأمم لانتشار الظلم في الأرض، وهذه سنّة كونية؛ فكلما تفشّى الفساد والظلم في الأرض نزل الهلاك والعقاب الأليم، من الله سبحانه قال تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ)
  • تنزل اللعنة على الظالم يوم القيامة، وهي الإبعاد والطرد من رحمة الله تعالى، كما يحرم الظالم من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وشفاعة من يأذن الله له في الشفاعة لعباده.
  • يُصيب الظالمين الندم والحسرة يوم القيامة، ويكون مصيرهم العذاب الأليم في نار جهنم، فبئس المصير وبئست الخاتمة والنهاية.
  • يخسر الظالم حسناته، وقد يحمل سيئات مَن ظَلمَه فوق سيئاته بسبب ظلمه.
  • قد تصيب الظالم دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب: (اتَّقوا دعوةَ المظلومِ وإن كان كافرًا فإنه ليس دونها حجابٌ)؛ فكيف إذا كان المظلوم مسلمًا وكيف إذا كان تقيا صالحًا ولقد كان الأنبياء عليهم السلام إذا يئسوا من ظلم الظالمين دعوا الله تعالى عليهم، فقال تعالى على لسان نوح: (رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)
السابق
خواص سورة الرحمن
التالي
سبب تسمية سورة المائدة

اترك تعليقاً