القرآن الكريم

تفسير قل اعوذ برب الناس

سورة الناس

تعد سورة الناس آخر سورة في المحفوظ بين دفّتي المصحف الشريف، أي أنها تقع في الجزء الثلاثين وهو جزء عم، وقد نزلت بعد سورة الفلق، وهي من قصار السور المكية إذ يبلغ عدد آياتها ست آيات، فقال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}، فهي تحمل صفات الله تعالى وهي، الألوهية، الربوبية، الملك، وقد اختتمت بها آيات القرآن الكريم، وهي خير ختام للقرآن الذي ابتدأ بسورة الفاتحة التي خاطب الله بها العالمين، ومن ثم جاءت سورة الناس لتخاطب الناس أجمعين الذين يستعينون بالله ويلجؤون إليه في جميع أحوالهم، وسنتحدث في هذا المقال عن تفسير السورة الكريمة بدءًا من الآية الأولى وحتى الآية الأخيرة بالترتيب.

تفسير سورة الناس

يوجد الكثير من المفسرين للقرآن الكريم منهم: تفسير مجاهد، معاني القرآن للأخفش، تفسير ابن المنذر، الكشاف للزمخشري، تفسير الخزرجي، وابن كثير، فقد فسر ابن كثير آيات سورة الناس كالآتي:

  • قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ: تعد صفة من صفات الله تعالى، الله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، فكل شيء في هذا الكون هو مخلوق لله تعالى، أي أن الله سبحانه وتعالى أمرعباده بالتعوذ بالله الذي ربهم وخالقهم، وهو الذي يعيذ منهم، وفي الاستعاذة رقية وشفاء وحصن من الأمراض التي يصيب بها الشيطان.
  • مَلِكِ النّاسِ: وتعد هذه الصفة أيضًا من صفات الله تعالى، أي هو المَلِك والمالك، فالمخلوقات عبيد له وهو السيد المتصرف في شؤون العباد بما يشاء؛ فلا يكون التعلق والتوكل والخوف والرجاء إلا منه وبه وإليه جل وعلا.
  • إلهِ النَّاس: نزلت هذه الآية للتأكيد على أن الله هو الإله الوحيد المستحق للعبادة، وكل من سواه مع إله آخر فعبادته باطلة؛ لأن الأمر بيده فيعز من يشاء ويذل من يشاء ويحيي من يشاء ويميت من يشاء ويرزق من يشاء.
  • مِن شَرِّ الوَسْواسَ الخَنَّاسِ: أي من شر الشيطان الرجيم، وقد رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [الشيطانُ جاثِمٌ على قلبِ ابنِ آدمَ ؛ فإذا ذَكَر اللهَ خَنَسَ وإذا غَفَل وَسْوَسَ] ، فمتى ذكر العبد ربه خنس الشيطان أي تصاغر وانقبض، ومتى نسي أن يذكره تعاظم وكبر؛ لأن عمل إبليس هو إخراج الناس من نور الهداية إلى ظلمات الجهل والضلال، ومن التوحيد بالله إلى الشرك به، فيبغض لهم ما ينفعهم ليكونوا معه في النار.
  • الذي يُوَسوِسُ في صدورِ النَّاس: ويقصد بالصدور أي القلوب، فالشيطان يزين الفاحشة للعبد فيغويه، وقيل أيضًا أنه يخص الإنس والجن، وَقَالَ اِبْن جَرِير وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِمْ رِجَال مِنْ الْجِنّ فَلَا بِدْع فِي إِطْلَاق النَّاس عَلَيْهِمْ .
  • منَ الجَنَّةِ والنَّاس: الجِنة هم الجن، والوسواس الذي يوسوس للإنس يوسوس للجن أيضًا لأنهم مكلفون بالعبادة، والشيطان يريد لهم الضلال ليكونوا معه من أصحاب السعير، وقد أطلق الله جل وعلا لفظ الناس على الجن في هذه الآية، كما أطلق عليهم لفظ رجال في قوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}، ولفظ نفر في قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}، ويوجد تفسير آخر للآية وهو أن الله تعالى أمرنا بالاستعاذة من شياطين الإنس الذين يصدون عن طاعة الله ويعيشون بيننا على هيئة صديق سوء، أو زوج فاسق، أو قريب ضال، أو داعٍ يحرض إلى الفتنة ويدعو المسلمين إلى ما يهلكهم.

سبب تسمية سورة الناس بهذا الاسم

يوجد ارتباط بين سورة الفلق وسورة الناس ولهما الكثير من الفضل، فقد سميت سورة الناس بهذا الاسم لأن لفظ الناس تكرر في السورة ست مرات، وتجدر الإشارة إلى أنها تسمى هي وسورة الفلق باسم المعوذتين لأنهما بدأتا بقوله تعالى: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ”، ولها فضل كبير في الرقية والاستشفاء من الأمراض وأعين الإنس والجن، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة سورة الفلق والإخلاص كل ليلة، ويفضل قراءة هذه السور القصيرة على المرضى، فقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: [أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ إذا أوى إلى فراشِهِ كلَّ ليلةٍ جمعَ كفَّيْهِ ثمَّ نفثَ فيهما فقرأَ فيهما قل هوَ اللَّهُ أحدٌ وقل أعوذُ بربِّ الفلقِ وقل أعوذُ بربِّ النَّاسِ ثمَّ يمسحُ بِهما ما استطاعَ من جسدِهِ يبدأُ بِهما على رأسِهِ ووجْهِهِ وما أقبلَ من جسدِهِ يفعلُ ذلِكَ ثلاثَ مرَّاتٍ]، ومن فضل هذه السورة أنها وردت في أذكار الصباح والمساء؛ لأنها تحمي الشخص وتقيه من الضرر، فقال عبد الله بن حبيب [خرجنا في ليلةِ مَطَرٍ وظُلْمَةٍ شديدةٍ نطلبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصليَ لنا، فأدركناه، فقال: أصليتم؟ فلم أقلْ شيئًا، فقال: قلْ. فلم أقلْ شيئًا، ثم قال: قلْ. فلم أقلْ شيئًا، ثم قال: قلْ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: قل هو الله أحد والمُعَوِّذَتين حينَ تُمسي وحينَ تُصبحُ ثلاثَ مراتٍ تُكفيك مِن كلِّ شيءٍ].

سبب نزول سورة الناس

السبب لنزول سورة الناس هو عندما أخذ اليهود شيئًا من المشاطة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذوا بعضًا من أسنان المشط لعمل سحر للرسول عليه الصلاة والسلام، فمرض صلى الله عليه وسلم فترة مدتها ستة أشهر، فجاء على الرسول ملكان أخبروه بأن لبيد بن الأعصم اليهودي عمل له سحرًا، ووضعه تحت حجر أسفل البئر، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل رضوان الله عليهم، وهم: الزبير بن العوام، علي بن أبي طالب، عمار بن ياسر، وأخرجوا السحر من البئر، فكان معقودًا 11 عقدة، بعدها أنزل الله تعالى سورة الفلق وسورة الناس، فكانوا كلما قرأوا هاتين السورتين كانت تُحل عقدة، والدليل على هذا القول، [عَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: سُحِرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى كانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما يَفْعَلُهُ، حتَّى كانَ ذَاتَ يَومٍ دَعَا ودَعَا، ثُمَّ قالَ: أشَعَرْتِ أنَّ اللَّهَ أفْتَانِي فِيما فيه شِفَائِي، أتَانِي رَجُلَانِ: فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأْسِي والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقالَ أحَدُهُما لِلْآخَرِ ما وجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ، قالَ: ومَن طَبَّهُ؟ قالَ لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، قالَ: فِيما ذَا، قالَ: في مُشُطٍ ومُشَاقَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قالَ فأيْنَ هُوَ؟ قالَ: في بئْرِ ذَرْوَانَ فَخَرَجَ إلَيْهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَقُلتُ اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقالَ: لَا، أمَّا أنَا فقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وخَشِيتُ أنْ يُثِيرَ ذلكَ علَى النَّاسِ شَرًّا ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ].

السابق
اسباب شرب الماء بكثرة
التالي
نقص فيتامين د يسبب تنميل

اترك تعليقاً