الامارات

علاقة الفلسفة بعلم النفس

علاقة الفلسفة بعلم النفس

الفلسفة

إن الفلسفة هي محاولة إيجاد إجابات عن الأسئلة المتعلقة بالكون، والوجود، وحالة من التأمُّل، والتفكُّر بكل ما يدور في عقل الإنسان، كما أن الفلسفة تعود في أصلها إلى اللغة اليونانية، وهي مصطلحٌ مشتقٌ من الكلمة اليونانية فيلوسوفيا، وقد تُرجمت كلمة فلسفة إلى عدّة معانٍ منها حُب الحكمة، والبحث عن الحقيقة، وطلب المعرفة، ومن المعروف أنّ الفيلسوف اليوناني فيثاغورس هو أوّل من استخدم لفظ فلسفة واصفًا نفسه بأنّهُ محب الحكمة، كما أن الفلاسفة تعرضوا على مر العصور إلى الكثير من القمع بسبب وجهة نظر عامّة الناس، ورجال الدين، ورجال العلم، ورجال السياسة، واللاهوت، والكنيسة، والعلماء الذين يقللون من شأن الفلسفة، والفلاسفة، فهم يرون أن الفلسفة عبارة عن تأمُّلات مجردة لا فائدة منها، ولا أهميّة لها، وأنّها أفكار لا تفيد الدولة ولا الناس في شيء، وقد وصل الأمر برجال الدين والسياسة إلى اضطهاد، وإحراق، وتعذيب الفلاسفة في بعض الأحيان، والتاريخ مليء بمثل هذه القصص التي تبين معاناة الفلاسفة، ومنهم الفيلسوف انكساجوراس الذي حكم عليه اليونانيون القدماء بالنفي المؤبد، وذلك لتصريحه بأنه يوجد كوكب آخر أكبر من المنطقة التي يعيشون فيها وهو كوكب الشمس، إذ كان عالمًا قديرًا اكتشف في حياته العديد من الأمور، وكان أبرزها اكتشافه للسبب الحقيقي وراء خسوف القمر.

علاقة الفلسفة بعلم النفس

تدعم الفلسفة كل العلوم الإنسانية بما في ذلك علم النفس، ولكن لا مجال لفهم العلاقة بين الفلسفة وعلم النفس من دون التطرق لمفهوم كل منهما، إذ إن الفلسفة في اليونانية تعني “حب الحكمة”، واصطلاحًا هي دراسة المشكلات التي تُعنى بمسائل معينة؛ كالقيم والوجود والمعرفة والعقل واللغة، وتعتمد للوصول إلى ذلك على مبدأ؛ الفحص الفلسفي، والاستجواب، والتحليل النقدي والمناقشات المنطقية، وضمن أسئلة ما الحياة؟ من أنا؟ بينما يسعى علم النفس إلى فهم دور العمليات العقلية في السلوك البشري، واكتشاف الوظائف الفسيولوجية والبيولوجية التي تدعم المعالجة والسلوك المعرفي؛ كالإدراك والانتباه والعاطفة والذكاء والظواهر والتحفيز وعمل الدماغ والشخصية والسلوك، ويُتوصل من التعريفين إلى تقاطع الفلسفة مع علم النفس بعدة محاور، ولقد اعتمد علم النفس على استخدام الطريقة التجريبية عند دراسة الأسئلة التي تطرحها الفلسفة بموضوعاتهما المشتركة؛ كالإحساس والإدراك والذكاء والذاكرة.

مثال لهذه العلاقة، استخدم تحليل ريتشارد ولهايم الفلسفي؛ لتحديد الهوية من جانب الخيال، وتتبع المسار من تصور علم النفس العادي لتحديد الهوية في التحليل النفسي، إلا أن العلاقة لم تقتصر على ذلك فحسب، وسنبين ذلك في المقال من خلال توضيح العلاقة المشتركة بينهما بالتفصيل، وتوضيح الاختلاف بين الفلسفة وعلم النفس، وعرض مراحل تطور علم النفس، وأشهر أعلامه.

علم النفس

من المعروف أنّ العلوم الطبيعيّة أحرزت تقدمًا واضحًا على العلوم الاجتماعية والسلوكيّة بسبب اعتمادها المنهج العلمي الحديث فموضوعاتها تتقبل المراقبة، والضبط، والقياس، والتجريب، ليس كعلم النفس الّذي كان آخر علمٍ إنسانيٍ يتحرر من المنهج الفلسفي، ويضاف إلى العلوم الاجتماعيّة، والطبيعيّة، وقد تطوّر علم النفس من الخوض في الروح، والعقل إلى دراسة السلوك الإنساني الذي يقبل الملاحظة ويخضع للقياس، والتجريب، ومن الجدير بالذكر أنه بعد عدة محاولات لتحديد تعريف أو مفهوم واضح لعلم النفس فقد توصل أغلب الفلاسفة إلى أنه العلم الذي يدرس الحالة العقلية، والاستجابات للأشياء، والمواقف التي تجري من حول الإنسان، والتفاعل، وطريقة عمل العقل، والدماغ أيضًا، وذلك لكل الكائنات الحية من الحيوان، والإنسان، بالإضافة إلى أنه يوجد عدد كبير من العلماء المختصين بدراسة وتحليل علم النفس، منهم أرسطو، وأفلاطون، وأبقراط وعدد كبير من الفلاسفة الآخرين الذين درسوا التصرفات الاعتيادية للإنسان، وذلك بالاستفادة من علم الأحياء الذي كان مكتشفًا حينها، إذ ظنوا بأن الكمية الكبيرة من الدم، وعُصارة المرارة الصفراء تدلان عن تقلبات في مزاج الإنسان، ولكن بالنسبة لعلم التصرفات فقد كان أكثر انتشارًا بين الفلاسفة الأمريكيين في بداية القرن العشرين.

الاختلاف بين الفلسفة وعلم النفس

ما يتقاطع لا يعني أنه يتشابه بالكل، إذ ثمة جوانب في الفلسفة على نقيض ما يبحث علم النفس، إذ يوجد ما خالفه أطباء علم النفس، وفيما يأتي جانب علمي وآخر وظيفي لهذا الاختلاف:

  • طرق الإجابة على الأسئلة: تختلف الفلسفة وعلم النفس من ناحية الإجابة على الأسئلة، إذ تنظر الفلسفة إلى مجالات مثل الحياة بعد الموت من خلال الأسئلة والأجوبة دون الوصول إلى نتيجة، أو لنقل حقيقة، على النقيض من ذلك، يعتمد علم النفس الأسلوب العلمي؛ لفهم السلوك البشري من خلال اختبار الفرضيات التي تفضي إلى نتائج منطقية، وتدعمها كل من الملاحظات المادية.
  • فرص العمل: تختلف الفلسفة وعلم النفس في فرص العمل، إذ من درس الفلسفة أمامه فرصة محصورة بعدة مجالات للعمل؛ كمعلم، أو باحث، أو حتى متحدث أكاديمي، إلا أن خريجي علم النفس لديهم فرص أوسع، إذ يمكن أن يصبح أخصائي نفسي سريري، أو مستشار نفسي، أو متحدثي أكاديمي أو باحث.

مراحل تطور علم النفس

كان علم النفس بذرة في الكيان الفلسفي، فلم يكن له قبل القرن التاسع عشر صفةً خاصةً، إلى أن قدّمه الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت من خلال طرحه فكرة الثنائية التي أكدت على أن العقل والجسم كيان واحد يتفاعلان لتشكيل التجربة الإنسانية، ودُوّنت أساليب البحث العلمي فيما بعد مع الفيزيولوجي الألماني؛ لاستقصاء التفاعل الذي أشار إليه ديكارت، وأوضح كتابه الذي نُشر عام 1874 م مبادئ علم النفس الفسيولوجي، ولقد سعى إلى تطبيق الأساليب التجريبية على دراسة العمليات العقلية الداخلية، وتتالت التطورات بظهور البنيوية التي تعد أول مدرسة للفكر في علم النفس خاصةً في تحليل الأدب الإنساني، وازدهر فيما بعد على يد عالم النفس الأمريكي وليام جيمس أواخر القرن التاسع عشر، ولقد نشر كتابه المدرسي الكلاسيكي “مبادئ علم النفس” الذي أصبح النص القياسي في علم النفس، وبهذا أسس للمدرسة الوظيفية في علم النفس الذي يدرس العقل البشري والسلوك، وتفرع العلم بظهور التحليل النفسي.

تبدّل وجه علم النفس على يد فرويد الطبيب النمساوي من خلال نظرية الشخصية التي تؤكد على أهمية العقل اللاواعي، ولقد توصل إلى ذلك خلال عمله مع المرضى الذين يعانون من الهستيريا وغيرها من الأمراض، إذ بين أن الاضطرابات النفسية تنشأ نتيجة صراع اللاوعي، وظهر في القرن العشرين منهج جديد في علم النفس يدعى المنهج السلوكي، وهمّش اللاوعي.

أشهر علماء النفس

ساهم الكثير من علماء النفس في تطور علم النفس، وفيما يأتي ذكر اثنين منهم:

  • جون ب. واطسون: عالم نفسي أمريكي ولد عام 1878 م، قدم نظرية سلوكية بالاستبطان، وكشف خلالها بأن الخوف يمكن تعميمه على أمور أخرى، ولقد درس فرويد علم النفس في جامعة جونز هوبكنز، وزعم في عام 1913 أن السلوك البشري مشابه لسلوك الحيوان.
  • سيغيسموند فرويد: فيلسوف وطبيب نمساوي، ومؤسس التحليل النفسي، وتوصل من خلاله لطريقة علاج الأمراض العقلية، وتوضح النظرية السلوك البشري التي تؤكد على أن أحداث الطفولة تسهم في تشكيل شخصية المرء فيما ما قد تسببه من مشاكل مستقبلًا، ولقد طور فرويد خلال حياته كثير من النظريات، من أبرزها:
    • طور نموذجًا للعقل عام 1905 م، ووصف فيه ميزات هيكل العقل ووظيفته بتشبيه الجبل الجليدي، وأكد في عام 1915 م أن العقل اللاواعي يحكم السلوك، وعليه فسر الأحلام بمقولته ” الأحلام هي الطريق الملكي إلى اللاوعي “.
    • نظرية فرويد الشخصية التي طورها عام 1923 م لتكون نموذجًا هيكليًا للعقل، ويشرح فيها هوية الأنا والأنا العليا، إذ تصوران افتراضية للوظائف العقلية المهمة، فمثلاً تحفز الأنا العليا على التصرف بمسؤولة.

أهميّة علم النفس

اهتم الفلاسفة قديمًا بدراسة علم النفس، وفهمه، والتعمق به، وذلك لأن لعلم النفس عددًا كبيرًا من الفوائد، والأهميات في حياتنا، ونذكر منها ما يأتي:

  • معرفة ما وراء تصرفات الآخرين: يتعلم الشخص من خلال علم النفس الأسباب، والدوافع التي تجعل الناس يتصرفون بطريقة معينة، وما يجعلهم مزاجيين، أو عدائيين، أو حتى سعيدين للغاية اتجاه أمر ما، فلا يستطيع الإنسان فهم ما وراء كافة هذه التصرفات دون دراسة علم النفس، والتعمق فيه وفي نظرياته المختلفة، ومنها بأن علم النفس يُقر بأن الشخص يحصل على المساعدة عندما يسمعه، أو يراه شخص واحد أكثر من عندما يراه أو يسمعه مجموعة كبيرة من الناس، كما يصبح باستطاعة الأشخاص الذين يدرسون علم النفس معرفة ما وراء كل تصرف للإنسان، مثل ما وراء أكله، أو شربه، أو نومه، وحتى ما الذي يدفع الشخص للقيام بأمر معين، أو ما الذي يمنعه من تأدية أمر معين، ودراسة كافة التفاصيل المتعلقة بالإنسان، وتفكيره.
  • التعامل مع المرضى العقليين: يفتح علم النفس الباب للأشخاص بالتعامل مع مرضى الاضطرابات العقلية، والنفسية، وذلك لأن جزءًا كبيرًا من علاجهم يعتمد على العلاج النفسي أكثر من حاجتهم للعلاج الجسدي، كما أن التعامل مع الأشخاص المصابين بهذا النوع من الاضطرابات يعد أمرًا صعبًا للغاية، وذلك لأنه يوجد أعداد كثيرة ومتنوعة من الاضطرابات العقلية التي قد يكون بعضها خطيرًا للغاية على الشخص المريض، أو على من حوله لأنه قد يكون غير واعٍ، ويؤذي الأشخاص الآخرين من حوله.
  • تعلم كافة التجارب النفسية: يوجد عدد كبير من التجارب التي أُجريت من أجل الوصول إلى المعلومات في علم النفس، والتي تعدّ دراسات قاسية، وعنيفة طُبقت على الإنسان، ولذلك فإن معظم هذه الدراسات الوحشية التي لم تُنشر والتي تعود إلى زمنٍ بعيدٍ جدًا، ولا يُتحدث عنها من قبل علماء النفس الحاليين ولا يمكن الوصل إليها، أو السماع عنها إلا في المحاضرات التعليمية التي تتكلم عن علم النفس القديم.

أبرز الفلاسفة عبر التاريخ

ظهر عدد كبير من الفلاسفة، والمفكرين عبر التاريخ الذين ثبتت نظريات مهمة للغاية لهم، وهنا نذكر أهم هؤلاء الفلاسفة:

  • أرسطو: يعدّ أرسطو واحدًا من أبرز الفلاسفة، والمفكرين، وأشهرهم عبر التاريخ؛ إذ إن له اكتشافات وأفكارًا فلسفية عديدة وفي مجالات مختلفة ومتنوعة وقد شارك في البحث في كافة المواضيع مثل، علم المنطق، والشعر، والميتافيزيقيا، واللغويات، والأمور الحكومية الخاصة بالدولة، لذلك فإن جهوده الواسعة هذه لا يمكن الاستهتار بها، أو الاستغناء عنها، ومن الجدير بالذكر أن أرسطو كان طالبًا من طلاب أفلاطون.
  • أفلاطون: يعدّ أفلاطون واحدًا من العلماء والفلاسفة الذين تفردوا بأفكارهم، وآرائهم؛ إذ كان أول شخص في العالم في تلك الفترة القديمة من الزمن يفتتح أكاديمية خاصة به لتعليم الطلاب، وتدريسهم، كما أنه كان معلمًا لعددٍ من الفلاسفة في ذلك العصر، ومنهم الفيلسوف الشهير أرسطو.
  • إيمانويل كانت: ولد إيمانويل كانت في دولة ألمانيا، وكان مشهورًا بعددٍ من الأفكار، والآراء التي أطلقها في زمنه، ولكن أشهر هذه الأفكار هي فكرة الخداع، أو تصور الأشياء التي من حول الإنسان، ولذلك فقد جادل إيمانويل لفترة طويلة محاولًا إقناع الآخرين بأن الإنسان من المستحيل أن يعرف الحقيقة الفعلية للعالم الذي يعيش فيه، ولكن الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان معرفته هو الطريقة التي يتصور ويتخيل بها شكل هذا العالم، وجادل بأنه من غير الممكن أن يعرف الإنسان ما إذا كان يعيش داخل مصفوفة واحدة كبيرة أم لا.
السابق
مدينة أفلاطون الفاضلة
التالي
أسباب الملل

اترك تعليقاً