الصحة النفسية

قوة التحمل النفسي

 

الصبر

الصبر أو التحمّل النفسي هو مهارة للتكيّف، وهو ممارسة روحية مدى الحياة للوصول إلى الراحة والسيطرة على الغضب والمشاعر السلبية، فالإحباط يحيط بالإنسان من كلّ جانب وموجود في الكثير من مواقف الحياة، كما يتعرّض له الإنسان بكثرة في حياته، لذلك فإن التمتع بالصبر يمنع الإنسان من التصرّف بجنون وعصبية وبطريقة مزعجة أو الشعور بموقع الضحية، كما يحوّل الإحباط إلى شعور إيجابي يمكّن الإنسان من التعامل بطريقة إيجابية مع مواقف الحياة المختلفة، كما أن الصبر لا يعني السلبية أو الاستسلام بل ممارسة من الناحية العاطفية تتمثل في الانتظار والمراقبة ومعرفة وقت التصرّف الصحيح، كما أنه وسيلة للتقرب من الله أكثر، وهو ما يعطي حافزًا للتحلّي به.

قوة التحمّل النفسي

يعد الصبر وقوة التحمّل النفسي أمرًا يستحق الاهتمام، وترتبط هذه الصفات بمجموعة كبيرة من النتائج الصحية الإيجابية للإنسان؛ كالحدّ من الاكتئاب والأفكار والمشاعر السلبية، وحسب دراسة أجريت عام 2012 ميلادي يرجع الصبر إلى ثلاثة عوامل أولها العامل الشخصي، فيوجد العديد من الأشخاص القادرين على التحمّل نفسيًا ويتحلون بالصبر بطبيعتهم، وهؤلاء الأشخاص يستطيعون الحفاظ على الهدوء عند التعامل مع شخص يشعر بالضيق والغضب والانزعاج، والعامل الثاني يكمن في صعوبات الحياة التي تواجه الناس جميعًا، فبوجد أشخاص قادرون على تفهّم الأمور السلبية والمشاكل التي يواجهونها والتعامل معها برويّة وصبر، أما العامل الآخر فهو المتاعب اليومية التي تظهر في أيام جميع البشر، والتي تحتاج أيضًا للصبر والتحمّل للتعامل معها وتجاوزها.[٢]

وجدت الدراسة أيضًا أن الصبر كصفة قابلة للتطوير والتعديل، إذ يمكن اكتسابها والتدرّب على التحلّي بها باتباع الخطوات التالية:

  • تحديد التهديدات: تعدّ (Amygdalae) هي الأنسجة العصبية الموجودة في أدمغة الإنسان مسؤولة عن التخلص من التهديدات وتنظيم العواطف، ولكن هذه الأنسجة ليست بارعة بما يكفي للتحدّد بدقة جميع التهديدات التي تواجه الإنسان، وهذا ما يفسر تفاعل بعض الناس المبالغ به مع التهديدات التي تواجههم وهي في الحقيقة لا تستحق كلّ هذا التفاعل والعكس صحيح، لذلك يجب على الإنسان نفسه أن يكون أكثر وعيًا ويحدد التهديدات التي يشعر بها أي المواقف التي تشعره بأنه فقد صبره وغير قادر على التحمّل أكثر، وهكذا يصبح أكثر قدرة في السيطرة على نفسه.
  • تقييم المخاطر: عند تعرّض الإنسان لخطر ما أو موقف مزعج تظهر عليه أعراض التهديد، وكلّ شخص يتصرف بطريقة مختلفة عن الآخر، وهنا يجب أن ينتبه الإنسان إلى نفسه ويقاطع مشاعره الداخلية الغاضبة التي تستجيب للتوتر ويفكّر بمعالجة المشكلة التي تعرّض لها، فالتفكير في التراجع عن ردّ الفعل ومحاولة النظر إلى الموقف بموضوعية يدرّب الإنسان على التحمّل والصبر.
  • إعادة صياغة التجربة: تسمى هذه العملية بإعادة التقييم المعرفي، أي التفكير في موقف مختلف، فبدلًا من تركيز الإنسان على غضبه من شيء ما يمكن أن يحوّل تفكيره إلى أشياء أخرى إيحابية، ومن الاستراتيجيات الأخرى المفيدة هي التركيز على السبب الذي يجعل الصبر قيمة مهمة بحدّ ذاتها وكيف ستؤثر إيجابيًاا على حياة الإنسان.
  • التدريب: لا يمكن التحلّي بالصبر وقوة التحمّل في ليلة وضحاها، ولكن يمكن أن يتدرب الإنسان على الصبر من خلال اختباره في المواقف البسيطة الأقل شدّة من غيرها، فالصبر كأي مهارة تحتاج إلى وقت للتطوير.
  • تغيير نمط الحياة: إذا كان الإنسان يفقد صبره عند الانتظار في غرفة الطبيب على سبيل المثال، فيمكن أن يحمّل لعبة على هاتفه أو يقرأ كاتبًا يلهيه عن ساعات الانتظار، وبذلك يتفادى الشعور بالضيق والغضب، فيمكن لبعض التغييرات على نمط الحياة أن تفيد في التعامل مع المواقف التي تثير غضب الإنسان وتفقده الصبر.
  • العقلانية: يجب على الإنسان أن يكون عقلانيًا وعلى دراية بالأهداف القابلة للتحقيق، إذ تقول نيدرا جلوفر تواب أخصائية اجتماعية كلينيكية أن الإنسان غالبًا ما يحجز نفسه لتحقيق الكثير من الأشياء في وقت محدد، بل يجب أن يكون الإنسان معقولًا في تحديد أهدافه وتخصيص الوقت المنطقي لها.

أهمية التحمّل النفسي والصبر

امتدحت الأديان والفلاسفة فضيلة الصبر على مرّ الزمان، ووجدت الدراسات الحديثة فوائد عديدة للتحمّل والصبر، منها:

  • الأشخاص الصبورون يتمتعون بصحة عقلية أفضل: تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الصبورون أقل عرضة للاكتئاب والعواطف السلبية من غيرهم، كما أنهم يصنفون أنفسهم بأنهم أكثر وعيًا ويشعرون بالمزيد من الامتنان ويميلون لأن يكونوا أكثر تفاؤلًا وارتياحًا في حياتهم.
  • الأشخاص الصبورون هم أفضل الأصدقاء: إن الأشخاص الذين يتمتعون بالصبر هم أصدقاء لطفاء يسهل التعامل معهم، وتشير الدراسات إلى أنهم أكثر تعاونًا وتعاطفًا وإنصافًا وتسامحًا مع الآخرين.
  • يساعد الصبر على تحقيق الأهداف: إن الطريق إلى النجاح والإنجاز طويل جدًا، وأولئك الأشخاص الذين يتمتعون بالصبر هم أكثر الأشخاص الناجحين؛ لأنهم يصبرون طوال الطريق لمشاهدة النتائج الأخيرة لأهدافهم.
  • يرتبط الصبر بالصحة الجيدة: تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الصبورين هم أقل عرضة للإصابة بالصداع وظهور حب الشباب والقرحة والإسهال والالتهاب الرئوي، والأشخاص الأقل صبرًا يشكون من الأمراض والأرق والإجهاد.

خطوات تحمّل صعوبات الحياة

يواجه الإنسان الكثير من الصعوبات والعقبات في مسيرة حياته، والكثير من الأشخاص يجهلون كيفية التصرّف في هذه المواقف، ويمكن للنصائح التالية أن تكون مفيدة لتخطي صعوبات الحياة بمرونة أعلى:

  • التوجه إلى الواقع: عادة ما يتجاهل الناس الأمور السلبية التي تحصل معهم، ولكن إذا أراد الإنسان أن يستمتع بحياته أكثر يجب أن يكون واقعيًا ويواجه الواقع المفروض عليه، وهكذا يتعامل الإنسان مع الواقع بفاعلية أكثر، وتصبح الأمور الصعبة أسهل والأشياء المخيفة مألوفة نوعًا ما، ومن هنا تنبع ثقة الإنسان بنفسه ويُدرك أنه أصبح أقوى من ذي قبل.
  • تقبّل الحياة: يقول المثل المأثور “القناعة كنز لا يفنى” فيجب على الإنسان أن يرضى بالأشياء التي يملكها ويدركها ويكون ممتنًا لأجلها، وألا ينسى كل ما لديه ويتطلع إلى الأشياء التي يتمناها ولا يصل إليها، وهكذا يستطيع الإنسان الاستمتاع بحياته أكثر ويكون راضيًا وممتنًا لما لديه.
  • أخذ الوقت الكافي: دائمًا تكون العبرة بالنتائج، ولكن يجب الانتباه إلى عدم سلك الطريق الأسهل بدلًا من الطريق الأفضل وصولًا إلى أهدافنا، فالنمو البطيء والمنضبط والتدريجي هو النهج الذي يؤدي إلى تغيير دائم.
  • البقاء قريبًا من المشاعر: عندما يشعر الإنسان عادةً بمشاعر ثقيلة وسلبية يحاول أن يبقيها بعيدة، ولكن حتى المشاعر السلبية يحتاجها الإنسان للشعور بالرضى والسرور في الحياة، فالمشاعر هي الغاز الذي يحرّك شخصية الإنسان وهو مصدر الدافع.
  • تقبّل النجاح والفشل: إن قبول النجاح والفشل على حدّ سواء هو الطريقة الوحيدة للنجاح وتطوير النفس والثقة، إذ يتعلم الإنسان مع التجربة، ولا يوجد نجاح دون فشل.
السابق
ما هي خلايا الدم الحمراء؟
التالي
مفهوم الإدارة المنزلية

اترك تعليقاً