ويتجلى مظهر الإعجاز قي كثير منها :
- الاتساق والتلاؤم بين كلمات القرآن : حيث نشاهد تلاحق سكناتها وحركاتها بنظم جميل بديع يستريح له السمع ، واقرأ قوله تعالى ﴿فَفَتَحۡنَاۤ أَبۡوَ ٰبَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَاۤءࣲ مُّنۡهَمِرࣲ (١١) وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُیُونࣰا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَاۤءُ عَلَىٰۤ أَمۡرࣲ قَدۡ قُدِرَ (١٢)﴾ [القمر ١١-١٢] وتأمل وتدبر وتفكر في تناسق الكلمات في كل جملة من الجمل، وتأمل أيضاً كيف تآلفت الحروف، وتعاطفت الحركات، والسكنات، والمدود، وكذاك انظر كيف أنَّ كلاً منها كأنَّما صبّ في مقدار ومكان واحد ، وأنَّه قدر بعلم اللطيف الخبير.
- الدلالة في أقصر العبارات على أوسعِ المعاني، واضحة ومتكاملة وتامَّة ، دون اللجوء إلى اختصار يخل بالمعنى أو ما يضعف الدلالة، وذلك قوله تعالى ﴿ ٱسۡتَطۡعَمَاۤ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡا۟ أَن یُضَیِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِیهَا جِدَارࣰا یُرِیدُ أَن یَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَیۡهِ أَجۡرࣰا﴾ [الكهف ٧٧] فكان الإتيان بالضمير هنا يؤدِّي المعنى، كأن يقال: استطعمناهم، ولكن الإتيان بالاسم الظاهر – وهو أهلها – يفيد معنى أعمُّ وأوسع وأشمل ؛ لأنَّه جمع مضاف يفيد العموم، فيدل على أنَّهما استطعما جميع أهل القرية، بخلاف (استطعمناهم) فإنَّه يحمل أنَّ الاستطعام كان لمن أتياهم، وهم سكان أول القرية.
- إخراج المعنى المجرَّد في مظهر الأمر المشاهد المحس الملموس ، بعد ذلك يتم بث الروح والحركة في هذا المظهر، بحيث يجد القارىء المتتبع إقناع العقل، ويشعر إمتاع العاطفة، بما يفي بحاجة النفس البشرية وجداناً وتفكيراً في تكافؤ واتزان، فلا تطغى قوّة التفكير على قوة الوجدان القلبي ، ولا قوَّة الوجدان على قوة التفكير، وهكذا تجد وأنت تقرأ كتاب الله أنَّ العقل يفهم والخيال يتصور، وذلك خلاف المعروف والمألوف و لدى قراءة أي كلام أو كتاب آخر، واقرأ – قوله تعالى ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا فِیۤ أَعۡنَـٰقِهِمۡ أَغۡلَـٰلࣰا فَهِیَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ (٨) وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ سَدࣰّا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدࣰّا فَأَغۡشَیۡنَـٰهُمۡ فَهُمۡ لَا یُبۡصِرُونَ (٩)﴾ [يس ٨-٩] وانظر كيف تضع خيالك كأنَّك تشاهد إنساناً يلتفُّ حول عنقه غلٌّ كبير،وعريض، مرتفع إلى ذقنه، جعل رأسه صاعداً لا يتحرك من مكانه، فتلك هي الصورة السَّاخرة للتكبُّر، ثمَّ انظر حالة وهو في مكان مغلق، وقد غطَّى الظلام على بصره، فهو لا يملك حراكاً نحو أي اتجاه، وتلك هي صورة من ينفع معه هدى، وظلَّ في ضلالة.