تعريف العام وصيغ العموم في القرآن:
تعريف العام: هو اللفظ العام الذي استغرق جميع المعنى من غير حصر، وقد حدث خلاف بين العلماء في معنى العموم، في اللغة، فذهب جموع العلماء إلى أن هناك الكثير من الصيغ تم وضعها في اللغة للدلالة حقيقة على العموم، وتُستعمل مجازًا فيما عداه، واستدلوا على ذلك بأدلة نصية، وإجماعية ومعنوية.
أ- وهناك الكثير الأدلة النصية، مثل قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ, قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} , ووجه الدلالة أن نوحًا عليه السلام توجه بهذا النداء، تمسكًا منه بقوله تعالى: ﴿حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِیهَا مِن كُلࣲّ زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَیۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَاۤ ءَامَنَ مَعَهُۥۤ إِلَّا قَلِیلࣱ﴾ صدق الله العظيم[هود ٤٠]وأقرَّه الله تعالى على هذا النداء، وأجابه بما دل على أنه ليس من أهله، ولولا أن إضافة الأهل إلى نوح للعموم لما صح ذلك.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ, قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} صدق الله العظيم, وجاء وجه الدلالة في الآية أن سيدنا إبراهيم عليه السلام فهم من قول الملائكة: ﴿إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰۤ أَهۡلِ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَفۡسُقُونَ﴾ [العنكبوت ٣٤] العموم، حيث ذكر “لوطًا” فأقرَّه الملائكة على ذلك، وأجابوه بتخصيص لوط وأهله بالاستثناء، واستثناء امرأته من الناجين، وذلك كله يدل على العموم.
ب- ومن الأدلة التي تدل على العموم، الأدلة الإجمالية- إجماع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على القول بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} صدق الله العظيم، وقوله: ﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوۤا۟ أَیۡدِیَهُمَا جَزَاۤءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَـٰلࣰا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ﴾ صدق الله العظيم[المائدة ٣٨] صدق الله العظيم, ونحو ذلك من الألفاظ التي تدل على العموم في كل زان وسارق.
جـ- كذلك هناك الأدلة المعنوية التي تفيد أن العموم يُفهم من استعمال ألفاظه، ولو لم تكن هذه الألفاظ موضوعة له لما تبادر إلى الذهن فهمه منها، كألفاظ الشرط والاستفهام والموصول، وإننا ندرك الفرق بين “كل” و”بعض” ولو كان “كل” غير مفيد للعموم لما تحقق الفرق.
ولو تكلم متكلم ، عن النكرة المنفية مثال قولك: “لا رجل في الدار” فإنه يعد كاذبًا إذا قدر أنه رأى رجلًا ما، كما ورد قوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى}. تكذيبًا لما قال: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} صدق الله العظيم وهذا يدل على أن النكرة بعد النفي للعموم، ولو لم تكن للعموم لما كان قولنا: “لا إله إلا الله” توحيدًا لعدم دلالته على نفي كل إله سوى الله تعالى”.
ونفهم أن للعموم الكثير من الصيغ التي تدل عليه، منها “كل” كقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۖ ثُمَّ إِلَیۡنَا تُرۡجَعُونَ﴾ صدق الله العظيم[العنكبوت ٥٧]، وقوله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ومثلها “جميع”، ومنها: المعرف بـ “ال” التي ليست للعهد كقوله: {وَالْعَصْرِ, إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} صدق الله العظيم أي كل إنسان، بدليل قوله بعد: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} صدق الله العظيم .
وقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} صدق الله العظيم، وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} صدق الله العظيم، مثال ذلك: النكرة في سياق النفي والنهي كقوله: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} صدق الله العظيم، ومثل قوله تعالى : {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَ} صدق الله العظيم، أو ما جاء في سياق الشرط كقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 12.
ومنهاكلمة : “الذي” و”التي” وجميع فروعهما كقوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِی قَالَ لِوَ ٰلِدَیۡهِ أُفࣲّ لَّكُمَاۤ أَتَعِدَانِنِیۤ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِی وَهُمَا یَسۡتَغِیثَانِ ٱللَّهَ وَیۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ فَیَقُولُ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ﴾ صدق الله العظيم [الأحقاف ١٧] أي كل من قال ذلك بدليل قوله التي تأتي بصيغة الجمع: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القَولُ} .
وقوله: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} .
وقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن} ،وأسماء الشرط كقوله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} , للعموم في العاقل، وقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} , للعموم في غير العاقل.
وقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} , للعموم في المكان. وقوله: {أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} للعموم في الأسماء. ومنها: اسم الجنس المضاف إلى معرفة كقوله: ﴿لَّا تَجۡعَلُوا۟ دُعَاۤءَ ٱلرَّسُولِ بَیۡنَكُمۡ كَدُعَاۤءِ بَعۡضِكُم بَعۡضࣰاۚ قَدۡ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ یَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذࣰاۚ فَلۡیَحۡذَرِ ٱلَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦۤ أَن تُصِیبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ یُصِیبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ﴾ صدق الله العظيم [النور ٦٣] أي كل أمر لله، وقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} .
أقسام العام:
العام على يأتي على ثلاثة أقسام:
الأول: وهو ما بقي على عمومه، إذ ما من عام إلا ويوجد فيه التخصيص، وذكر العلماء أنه الكثير منها في القرآن. ومنها قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} ، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} ،فإنه لا خصوص فيها.
القسم الثاني: العام الذي المقصود به المعنى الخاص– كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} فالمراد بالناس الأولى نعيم بن مسعود، والمراد بالناس الثانية أبو سفيان لا العموم في كل منهما، يدل على هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} فوقعت الإشارة بقوله: {ذَلِكُمُ} إلى واحد بعينه، ولو كان المعنى به جمعًا لقال: “إنما أولئكم الشيطان”
وكقوله تعالى: ﴿فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَهُوَ قَاۤىِٕمࣱ یُصَلِّی فِی ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحۡیَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَیِّدࣰا وَحَصُورࣰا وَنَبِیࣰّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ صدق الله العظيم [آل عمران ٣٩] صدق الله العظيم, والمنادى جبرائيل كما في قراءة ابن مسعود، وقوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} صدق الله العظيم, والمراد بالناس إبراهيم، أو سائر العرب غير قريش.
القسم الثالث: العام الذي جاء بالتخصيص – هناك الكثير من الأمثلة في القرآن الكريم ، ومنه قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، وقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .