الامارات

تمارين العقل الباطن

تمارين العقل الباطن

العقل الباطن

اتفق العلماء والخبراء في الماضي على الاعتقاد بأن الجانب الذهني أو العقلي للإنسان هو جانبٌ واعٍ بالكامل ويتميز بالتسلسلية، والسيطرة، ووضوح المقصد، وهذه الصفات في مجملها تُحدد قيمة أو طبيعة الوعي لدى الإنسان، لكن وخلال القرن العشرين، بدأت الدراسات بتحري بعض الإشارات الدالة على وجود صفات واستجابات عند البشر يصعب القول بأنها واعية تمامًا وإنما لها صفة باطنية أو غير واعية، ولقد جاء عالم النفس النمساوي الشهير سيغموند فرويد ووضع نظريته الشهيرة فيما يخص هذا الموضوع، ولقد بقيت نظريات فرويد ذات قيمة ووزن كبيرين بين علماء النفس إلى يومنا هذا بسبب دقة التفاصيل التي أوردها فرويد حول العقل اللاوعي أو الباطن على الرغم من أن فرويد اشتق نظريته اعتمادًا على حالات فردية شاذة وليس على دراسات علمية دقيقة، كما أن الدراسات التجريبية لم تكن تميل كثيرًا إلى نظريات فرويد حول اللاوعي، لكن على أية حال، يُمكن القول في المحصلة بأن الأدلة الاجتماعية والمعرفية قد أيدت وجود العقل الباطن في النهاية إلى حدٍ بعيد.

تمارين العقل الباطن

يتمركز وجود العقل الباطن أو اللاوعي تحت سطح الوعي الظاهر، وفي حال جرى تشبيه المكون العقلي الكامل للإنسان بالجبل الجليدي، فإن العقل الباطن سيكون هو الجزء السفلي والعميق لهذا الجبل، بينما سيكون الوعي الظاهر هو الجزء العلوي الظاهر للجبل الجليدي، وعادةً ما يكون سطح الجبل الجليدي الظاهر أقل حجمًا من سطحه السفلي الغارق تحت الماء، وهذا ينطبق بالضبط على تكوين الإنسان النفسي؛ فالعقل الباطن هو فعلًا الجزء الأعمق والأكبر من الجبل الجليدي، وهو يحتضن الكثير من المشاعر، والنزوات، والعواطف الدفينة للإنسان، ولقد اعتقد فرويد بأن العقل الباطن هو مركز تواجد غرائز الحياة والموت أيضًا، والمقصود بغرائز الحياة الغرائز أو الحاجات الجنسية، بينما المقصود بغرائز الموت هي الأفكار العدوانية والغضب، ويرجع سبب تواجد هذه الأفكار داخل العقل الباطن وليس داخل العقل الظاهر إلى كون هذه الأفكار هي أصلًا أفكار غير مقبولة أو غير منطقية.

ويحاول الناس غالبًا كبح هذه الأفكار وليس إخراجها إلى العلن، وهذا يعني أن البشر يريدون غالبًا التدرب على عزل هذه الأفكار وليس تقويتها، لكن أحيانًا يخرج جزء من هذه المشاعر والعواطف من خلال منافذ واعية لدى الإنسان، ولقد استطاع فرويد تحديد طرق لاستكشاف الوعي الباطن أو جلب المعلومات المتراكمة فيه، لكن قبل ذكر هذه الطرق يجب التذكير هنا بأن وجود العقل الباطن ليس أمرًا أكيدًا أو مثبتًا تمامًا وفقًا للكثير من الباحثين، وهذا يعني أن الحديث عن طرق التدريب أو استكشاف العقل الباطن قد يكون مجرد خيال ليس أكثر من ذلك، وعلى العموم تشتمل بعض الطرق التي طرحها فرويد لاستكشاف العقل الباطن على الآتي:

  • التداعي الحر: اعتقد فرويد أن بوسعه استكشاف المعلومات المتمركزة في العقل الباطن عبر استخدام طريقة تُدعى بالتداعي الحر التي تعتمد على مطالبة الفرد بالاسترخاء ثم التفوه بكل ما يخطر على باله دون المبالاة حول ترابط أو متانة الأفكار التي يتفوه بها ودون التفكير كثيرًا بالحرج أو مقدار التفاهة الموجودة في هذه الأفكار، ثم إيجاد روابط بين هذه الأفكار بغرض استكشاف محتوى العقل الباطن وتحري الغرائز والشهوات الدفينة وذكريات الطفولة المؤلمة.
  • تفسير الأحلام: رأى فرويد أن الأحلام هي أحد الأبواب الرئيسية التي تفتح على العقل الباطن، ويُمكن للأحلام أن تحمل في طياتها معلومات قادمة مباشرة من الوعي الباطن، لكن هذه المعلومات تظهر متنكرة بأزياء أو أشكال أخرى داخل الأحلام، وعليه فإن من الضروري تعلم كيفية تفسير الأحلام لاستنباط المعلومات المخفية داخل العقل الباطن، كما اعتقد فرويد أيضًا بأن الأحلام هي طريقة للتمني وتحقيق الرغبات الدفينة التي لا يُمكن تحقيقها في الحياة الواقعية.

وعلى العموم قد يتساءل البعض هنا عن العلاقة بين أفكار العقل الباطن وبين الإبداع والذكاء، ويجيب الخبراء على هذا التساؤل عبر القول بأن هنالك بعض الأدلة التي تشير إلى كون الإبداع منبثقًا عن العقل الباطن وليس العقل الواعي كما يظن الكثيرون، ويستدل البعض على ذلك بتصريحات الكثير من العباقرة والمبدعين الذين قالوا بأن سر عبقريتهم جاء نتيجة لوصولهم إلى مرحلة استطاعوا خلالها السماح للأفكار بالطفو بحرية في عقولهم دون كبتها أو السيطرة عليها بالعقل الظاهر أو الواعي، وتُعد قصة أرخميدس أحد أشهر الأمثلة على ذلك في نظر بعض الباحثين، ومن الجدير بالذكر أن باحثين من جامعة روتشستر الأمريكية قد توصلوا إلى نتيجة مفادها أن العقل البشري قادر على إعطاء القرارات الصائبة بفضل وجود العقل الباطن في الدرجة الأولى.

أساليب تحسين الصحة النفسية

يطرح الباحثون جملة من الأساليب والطرق التي يُمكن من خلالها تحسين الصحة أو البنية النفسية للإنسان أو الجبل الجليدي، سواء الجزء الظاهر أو الباطن من هذا الجبل، ومن بين هذه الأساليب ما يلي:

  • إخبار النفس بالأشياء الإيجابية: أكد الباحثون على حقيقة أن طريقة تفكير الإنسان حول نفسه لها تأثيرٌ كبير على طريقة شعوره، وهذا يعني أنه في حال التفكير السلبي عن النفس والحياة، فإن من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى انعكاسات سلبية في النهاية على الحياة الواقعة التي يعيشها الإنسان.
  • الشعور بالامتنان: أجمع الكثير من الخبراء على أن أفضل طريقة لتقوية الشعور بالامتنان هي التعود على كتابة الأشياء أو العوامل التي تنمي الشعور بالامتنان على ورقة أو كتاب مثلًا، ثم قراءة المكتوب بعد ذلك.
  • التركيز على أمر محدد في كل مرة: يؤدي التركيز على الوقت الحاضر أو على أمر محدد إلى إقصاء المشاعر السلبية التي نشأت عن التجارب السابقة المريرة، ويُمكن التعلم في البداية على التركيز على الأمور الروتينية البسيطة؛ كتناول وجبة الغداء أو الاستحمام، أو استنشاق الروائح العطرة.
  • تناول الأطعمة المناسبة: يجهل الكثير من الناس أن تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات باعتدال يؤدي إلى زيادة في مستوى مركب السيروتونين الذي يؤثر إيجابيًا على المزاج، كما يجهل الكثيرون بأن تناول الأطعمة الغنية بالبروتينات تُساهم في زيادة مركبات الدوبامين، والنورابنفرين، والتيروسين، التي تؤدي إلى الشعور باليقظة، ومما لا شك فيه أن الفواكه والخضروات هي أيضًا مصدر غني بالعناصر الغذائية المفيدة للدماغ.
  • كسر رتابة الحياة: على الرغم من أن الروتين الحياتي هو أمرٌ مهم للشعور بالاستقرار والأمن الاجتماعي، إلا أن إحداث بعض التغيير قد يكون جيدًا لكسر رتابة الحياة المملة الناجمة عن هذا الروتين، وبالإمكان الوصول إلى هذا الهدف عبر التخطيط -مثلًا- للذهاب في رحلة ترفيهية أو السفر أو استكشاف أنواع جديدة من الطعام في مطاعم جديدة.
  • أساليب مختلفة: تشتمل أساليب تحسين الصحة أو البنية النفسية كذلك على أخذ الاستراحات من العمل، والحديث مع الآخرين عن مشاكل الحياة، وإسداء الخدمات أو مساعدة الآخرين، والتعود على أخذ قسطٍ كافٍ من النوم.
السابق
أسباب الفراغ العاطفي
التالي
كيف أعرف شخصيتي في علم النفس

اترك تعليقاً