الامارات

لماذا لا يحب الإنسان أن يتم إخباره بما يجب القيام به

لماذا لا يحب الإنسان أن يتم إخباره بما يجب القيام به

تلقي الإنسان للأوامر

يمتلك البشر عمومًا نزعة أو فطرة تجعلهم يرغبون بإطاعة الأوامر القادمة من الجهات أو السلطات الأعلى منهم، وهذا الأمر قد يكون صادمًا لك للوهلة الأولى، لكن علماء النفس قد أكدوا على صحة ذلك بعد قيامهم بتجارب كثيرة حول هذا الموضوع، ويُعد العالم الشهير ستانلي ميلجرام من بين أبرز العلماء الذين بحثوا في هذا الأمر في ستينات القرن الماضي، وقد أكدت نتائج أبحاثه على ميل البشر نحو إطاعة الأوامر القادمة من السلطات والقيام بأمور سيئة منافية لمعتقداتهم الأخلاقية في حال طلب منهم ذلك، وقد أرجع ستانلي ميلجرام ذلك إلى اعتقاد الناس أن مسؤولية تحديد الصحيح والخاطئ سترجع إلى معطي الأوامر في الدرجة الأولى وليس إليهم، وفي المحصلة فإن اتباع الأوامر بصورة عمياء هو بالطبع ليس بالأمر الجيد على الإطلاق عند النظر لنتائج دراسات ميلجرام؛ لأن صفحات التاريخ مليئة بالأحداث الدامية وغير الأخلاقية التي نجمت عن تلقي البشر للأوامر وإطاعتها بصورة عمياء دون إبداء التساؤل والشك حول هذه الأوامر.

لماذا لا يحب الإنسان إخباره بما يجب عليه فعله؟

على الرغم من جنوح أو ميل الناس إلى إطاعة الأوامر القادمة من السلطات دون الكثير من التفكير في صحة هذه الأوامر كما ورد سلفًا، إلا أن البشر عمومًا لا يحبون تلقي الأوامر من الناس العاديين، وقد تشعر أنت هذا الأمر عندما تبدأ مشاعر الغضب بالاشتعال في صدرك عندما يلقي أحد ما الأوامر على مسمعك حتى وإن كانت هذه الأوامر تهدف إلى مساعدتك في الوصول إلى الأهداف التي كنت تطمح إليها من قبل، وقد أطلق باحثو علم النفس على هذه الحالة اسم المفاعلة النفسية Psychological Reactance، وقالوا بأن سرّ هذه الحالة يرجع إلى استجابة الدماغ للتهديدات التي تحدّ من الحرية الشخصية، وفي المناسبة فإن هذه الظاهرة قد لاحظها خبراء الصحة أثناء تنظيمهم لحملات التوعية الصحية التي تأمر الناس بالتوقف عن التدخين، بل لاحظوا بأن رؤية الإعلانات التي تأمر أو تحث الناس على التوقف عن التدخين تسببت في رغبتهم أكثر بالتدخين. وعادةً ما يعتمد حجم كراهية الإنسان للأوامر على أهمية أو مستوى الحرية المأخوذة منه وحجم التهديد الذي تعرض له في الأساس، وما هي إلا لحظات حتى تتحول الكراهية إلى غضب وعواطف عدوانية اتجاه الأوامر وصاحب الأوامر، وقد حاول الباحثون قياس حالة المفاعلة النفسية لدى البشر، وقالوا بأن المفاعلة تحدث كاستجابة ثانوية عندما يشعر الإنسان فقط بأن حريته أصبحت مهددة، وقد لاحظ الباحثون كذلك وجود تباين في مستوى هذه المفاعلة بين الثقافات المختلفة، وقد أرجع الخبراء حدوث المفاعلة النفسية إلى نوعية الكلمات الموجودة في الأوامر؛ كاستخدام كلمات “يجب عليك” أو “لازم عليك”، وهذا يعني أن سبب كراهية الأوامر يرجع بصفة كبيرة إلى طريقة أو نبرة سرد الأوامر على مسمع الآخرين.

كيف نتعامل مع هذا الأمر؟

أشارت دراسة نشرت عام 2013 إلى إمكانية التغلب على مشكلة كراهية الأوامر –أو المفاعلة النفسية- عبر تخيل النفس في مكان الطرف الآخر ثم التفكير من هذا المنطلق نحو الأوامر، وهذه العملية بالطبع شبيهة بعملية التقمص العاطفي التي ستمكنك من عكس تجارب أو رؤى أو مشاعر الآخرين على نفسك لتتمكن في المحصلة من معرفة مستوى الكراهية للأوامر لدى الطرف الآخر وكيفية تقريب وجهات النظر، وعلى أية حال، في حال رغبت بزيادة تقبل الآخرين للأوامر والتوجيهات التي تريدها في بيئة العمل مثلًا، فإن بوسعك اتباع الخطوات التالية:

  • احرص في البداية على معرفة ما تريده بالضبط من الآخرين وكيفية إيصال طلباتك أو أوامرك إلىيهم بأسلوب مناسب.
  • وجه الأوامر نحو الشخص المناسب لتنفيذها، أو الشخص الذي يمتلك الخبرة والرغبة في تنفيذ هذه الأوامر.
  • استخدم كلمات واضحة وموجزة عند فرض الأوامر، والتزم بالطبع بالمنطقية والخصوصية وتجنب المصطلحات الغريبة، ويُفضل بالطبع أن تتحدث بلغة قريبة من لغة مستقبل الأوامر.
  • زوّد الآخرين بالحجج المنطقية التي تدعم صلاحية الأوامر الموجهة لهم، وحاول أن تتنبأ بمشاعر وحاجات مستقبلي الأوامر.
  • تأكد من فهم الآخرين للأوامر التي صرحت بها لهم، وحاول أن تكرر الأوامر على مسامعهم مرة أخرى وافسح مجالًا لهم لطرح الأسئلة حولها.
  • اختر الوقت المناسب لإعطاء الأوامر للآخرين، وحاول ألا تجعلهم يشعرون بالإحباط من كثرة الأوامر والأعمال الواقعة على كاهلهم.
  • احترم مستوى الفهم والخبرة الموجودة لدى الآخرين؛ فمن الطبيعي ألا تكون درجة فهم الشخص الخبير بنفس درجة فهم شخص آخر مبتدئ أو قليل الخبرة بالأوامر التي تطلبها.
  • احرص على أن يكون الآخرون على علم بجاهزيتك لاتخاذ الخطوات الاحترازية التي ستقوم بها عند رفضهم اتباع الأوامر التي تريدها.
  • احرص على توزيع الأوامر أو المهام بالتساوي على الآخرين الذين يخضعون لسلطتك.
  • تابع وتيرة تحقيق الأوامر والمهام التي طلبتها من الآخرين.
  • تحلى بالرسمية عند إعطاء الأوامر حتى تضمن احترام الآخرين للأوامر التي تريدها.

مَعْلومَة

تُصبح كراهية أو رفض إطاعة الأوامر أمرًا غير محبذ وربما خطير وذو عواقب وخيمة في المساقات العسكرية تحديدًا، فمن المعروف أن العلوم العسكرية تفرض على الجنود إطاعة أوامر الضابط الأعلى رتبة دون جدال، لكن الباحثين وخبراء التاريخ وجدوا بأن إطاعة الأوامر دون سؤال ومراجعة كان أحد الأسباب التي أدت إلى وقوع الكثير من المآسي والجرائم البشعة عبر التاريخ البشري، وكان كلّ ما على الجنود قوله في نهاية هذه المآسي هو “لقد كنا نطيع الأوامر”، وهذه الحجة بالطبع باتت محل تساؤل بين الباحثين في المجالات العسكرية، وبات هنالك كلام حول ضرورة تغيير هذه العقيدة وإعطاء الجندي مزيدًا من الحرية لرفض الأوامر القادمة له عندما يعتقد بأن هذه الأوامر تتعارض مع القيم الأساسية أو أنها أوامر خاطئة.

السابق
التهاب العانة – Vulvitis
التالي
اضطرابات الأكل وأنواعها

اترك تعليقاً