الامارات

مراحل النمو النفسي

مراحل النمو النفسي

النّمو النّفسي

النّمو النّفسي هو نمو وتطوّر الإنسان معرفيًا وعاطفيًا وفكريًا واجتماعيًا وجسديًّا منذ لحظة الولادة مرورًا بمرحلة المراهقة والنّضج ووصولاً إلى الشيخوخة، وعلى الرّغم من أنّ التغيّرات والتطوّرات التي تحدث في المراحل السّابقة من حياة الإنسان طبيعيّة ومتوقّعة، إلاّ أنّها تحتاج للدّراسة والبحث لمساعدة الأشخاص على كيفيّة مواجهة مثل هذه التغيّرات، وتعلّم استراتيجيّات لإدارتها وفهمها فهمًا عميقًا الأمر الذي يؤدّي إلى نتائج أفضل، والفرع من علم النّفس الذي يهتم بدراسة النّمو النّفسي يُعرف بعلم النفس التنموي، ويعد إريك إريكسون الطبيب النفسي الذي طوّر واحدة من أهم النظريّات في التنميّة؛ إذ ركزّت نظريّته على النمو النفسي الاجتماعي بدلًا من النّمو النّفسي الجنسي.

مراحل النّمو النّفسي

وفقًا لنظريّة إريك إريكسون للنّمو النّفسي الاجتماعي فإنّ الشخصيّة تتطوّر بنمط محدّد ومعروف مسبقًا، من خلال المرور بثمان أطوار من مراحل النّمو النّفسي، بدءًا بالطّفولة وانتهاءًا بالشيخوخة، يمر الإنسان خلال هذه الأطوار الثّمانية بالكثير من التحدّيات والأزمات التي تؤثّر على تطوّر شخصيّته إمّا سلبيًا في حال فشل في اجتياز هذه التحدّيات،أو إيجابيًا إذا نجح في اجتيازها واكتساب خبرات إضافيّة منها، ولابد من القول أنّ كل مرحلة تعتمد على المرحلة التي تسبقها، فالفشل في واحدة منها يؤدّي إلى استنزاف الطّاقة النفسيّة والتأثير سلبيًّا على المرحلة التي تليها، وفيما يلي المراحل الثّمانية للنّمو النّفسي:[٣]

  • الثّقة مقابل عدم الثّقة: تشمل هذه المرحلة العام الأول من حياة الطّفل تقريبًا، وفيها يكون الطّفل متشكّكًا بمحيطه، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بوالديه للحصول على الاستقرار وتلبية متطلّباته، وعندما يكون هذا الأمر متنبأً به ومتناسقًا يؤدّي لتنمية مشاعر الثّقة لدى الطّفل، والشّعور بالأمان حتى في المواقف التي يشعر بها بالتّهديد، أمّا إذا كانت الرّعاية المقدّمة غير موثوقة وعشوائيّة غير قابلة للتوقّع والتّنبّؤ تتزعزع ثقة الطّفل بمحيطه وقدراته في إمكانيّة إحداث تغيير ويستبدلها بالشّك والقلق، فإن اجتاز هذه المرحلة بنجاح كانت النّتيجة شعور الطّفل بالأمان، وفي حال مرّ بمواقف عصيبة سيجد من يقف إلى جانبه، أمّا إن فشل في اجتياز هذه المرحلة تكون النّتيجة زيادة مستويات الخوف لديه من محيطه وعدم ثقته بهم وبنفسه.
  • الإحساس بالاستقلال الذاتي مقابل الخجل والشك، أيّ قوّة الإرادة: وتشمل الفئة العمريّة من العام الأول تقريبًا إلى الثلاثة أعوام الأولى من حياة الطّفل، وفي هذه المرحلة تزيد قدرات الطّفل الجسديّة فيبدأ بخطواته الأولى بالمشي، وإدراك ما حوله من أشياء واختيار ما يُعجبه هو، ويبدأ بالابتعاد التّدريجي عن والديه والاستقلال بنفسه، فإن واجه الطّفل في هذه المرحلة تشجيعًا ودعمًا نفسيًا من محيطه تتشكّل لديه إرادة وعزيمة، والثّقة بقدرته على الاستقلاليّة ما يطوّر الكثير في شخصيّة، ومن أمثلة التّشجيع ترك الخيار للطّفل باختيار لعبته بنفسه، أو ارتداء ملابسه بنفسه حتى وإن لم تكن متقنة، أمّا إذا واجه الطّفل في هذه المرحلة الكثير من التوبيخ والانتقاد، وفرض قيود تحد من استقلاليّته يتولّد لديه شعور بالخجل من نفسه، وأنّه لا يستطيع إنجاز أي أمر بالاعتماد على نفسه، وهو ما يؤثّر على ثقتهم بنفسهم، واحترامهم لذاتهم.
  • المبادرة مقابل الشعور بالذّنب- الغرض: وهي المرحلة التي تتميّز بالنّشاط وفرط الحركة عند الطّفل، ويكون اللّعب هو الميدان الأهم له الذي يتعلّم منه كيفيّة الاندماج مع الآخرين، وتكوين علاقات، وهنا يأتي دور الوالدين في تشجيعه على المبادرة بالتعرّف على أصدقاء جدد، والانخراط بالنّشاطات معهم، وهو ما يطوّر من شخصيّة الطّفل، ويزرع فيه حب المبادرة والقيادة وعدم الخوف من اتّخاذ القرارات، وكذلك في هذه المرحلة يبدأ الطّفل بطرح الكثير من الأسئلة التي من الممكن أن يرفض الأهل الإجابة عنها بالاستهزاء، أو الإزعاج، وهنا يبدأ الشّعور بالذّنب عند الطفل بالازدياد، وتصدر عنه أمور محرجة، وهنا يأتي دور الأهل في الموازنة ما بين المبادرة والشّعور بالذّنب، فبعدم تأنيب الطّفل نهائيًّا وعدم إشعاره بالذّنب عن الأخطاء الفعليّة يفقد انضباطه لنفسه، ولا ينمو لديه مفهوم تأنيب الضّمير عند إقدامه على أي خطأ، وبالتالي فإن النّجاح في اجتياز هذه المرحلة بنجاح يولّد لديه شعور المبادرة والقياديّة، أمّا في حال فشله يترسّخ لديه الشّعور بالذّنب على أقل فعل يُقدم عليه.
  • الاجتهاد مقابل القصور؛ أيّ الكفاءة: تمتد هذه المرحلة من عمر 5 سنوات إلى 12 سنة وهي مرحلة بداية دخول المدرسة، والبدء بتعلّم المهارات الأساسية لثقافته عن طريق الرّسم، واكتساب مهارات القراءة والكتابة، والتعاون مع بقية أفراد المجموعة بهدف ممارسة أنشطة محدّدة، وفي هذه الفترة ترتفع قدرات الطفل على الاستدلال الاستنباطي وضبط الذات، والارتباط بزملائه وفقًا لأسس سبق تحديدها، فإذا أُعطي الطّفل حرّيته بالمشاركة والتعبير عن رأيه يشجّعه هذا الأمر على الاجتهاد والإيمان بإمكانيّاته، أمّا إذا فُرضت عليه قيود من قبل المعلّمين أو الأهل حيال تصرّفاته أو سلوكيّاته في المدرسة يفقد الطّفل اهتمامه بتعلّم المهارات التي يحتاجها لمقابلة المجتمع ومحيطه، ما يولّد لديه شعورًا بالنّقص والدّونيّة والخجل.
  • هوية الأنا مقابل الارتباك: وتبدأ من سن 12 عامًا إلى 18 عامًا التي تمثّل فترة المراهقة وهي المرحلة الخامسة عند إريكسون، وتعد هذه المرحلة الانتقاليّة في حياة الطّفل مربكة، فهو لم يعد طفلًا ولكنّه لم ينضج بعد، فيشعر بالضّياع والارتباك في حال لم يتفّهم الأهل والمجتمع ما يمرّ به من تغيّرات وتطوّرات نفسيّة، وهنا يجب على الأهل والمحيط أن يحتووه ويلقنوه واجباته تجاه نفسه والمجتمع، والأخلاقيّات الأساسيّة، ومساعدته في فهم التغيّرات الجنسيّة والجسديّة التي تحدث له للشّعور بالرّاحة مع جسمه، ومساعدته في رسم شخصيّته المستقبليّة دون أي انتقاد أو استهزاء، وتشجيعه لاختبار أنماط حياة مختلفة ليستطيع إعادة الاندماج مع ذاته مرّة أخرى، وتعد هذه المرحلة من أهم المراحل في حياة الإنسان، إذ تلعب دورًا كبيرًا في نموّه نفسيًا واجتماعيًا، وفيها يواجه تغيُّرات أساسيّة، ومتطلبات مختلفة من الناحية الاجتماعيّة، فيكون في مواجهة مع تحدّيات الرشد، ومن وجهة نظر إريكسون يظهر بعد نفسي شديد خلال المراهقة، فإذا كان موجبًا فهو إحساسْ بهويّة الأنا، أمّا إن كان سالبًا فهو إحساسٌ بتميّع الهويّة والارتباك، وقد أطلق إريكسون مسمّى أزمة الهويّة على إخفاق الشباب في تنميّة الهويّة الشخصيّة بسبب الخبرات السيئة التي يعيشها الفرد في طفولته، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعيّة الحاضرة، فيعجز الفرد عن إيجاد عمل أو مهنة أو مواصلة التعليم.
  • الألفة مقابل العزلة – الحب: تمتد هذه المرحلة من سن 18 عامًا وحتى سن الأربعين، وتشكّل النّواة الأساسيّة لبداية حياة النّضج، وفي هذه المرحلة يكون الراشد قادرًا على توجيه ذاته نحو الاستقرار وإتقانه لعملٍ ما أو مهنة، فهو بالتالي يكون مستعدًا للتآلف الاجتماعي الذي يحتّم عليه الارتباط مع شخصٍ آخر، والألفة تعني عند إيريكسون المودّة التي يتشارك فيها معظم الأفراد، وقدرة الفرد على دمج هويته مع شخص آخر دون الخوف من فقدان شيء من ذاته، وتشتمل أيضًا على الألفة والمودّة مع الذات، واجتياز هذه المرحلة بنجاح يخلق فردًا سعيدًا لا يخاف من الارتباط، ويخلق فردًا مندمجًا مع محيطه، ويشعر بالحب بالاتّجاهين، أمّا إذا فشل فتنقلب هذه الصّفات والخصائص لضدّها.
  • الإنتاجية مقابل الركود: تمتد هذه المرحلة من سن 40 عامًاوحتّى 65 عامًا، وهي الفترة التي يصبح فيها الشّخص منتجًا بالعمل، ويهتم بمصالح جيل المستقبل، ويبدأ هو نفسه بإعادة دورة الحياة الطّبيعيّة بإنشاء أسرة وتربية الأطفال، ويهتم أيضًا بالمجتمع الّذي سيعيش فيه ذلك الجيل ويمارس عمله، وتنشأ فضيلة الرّعاية هذه من منطلق الإحساس بالاهتمام بشخص ما اهتمامًا خاصًا.
  • تكامل الأنا مقابل اليأس: يدخل فيها الفرد عندما يتجاوز سن 65 عامًا وتنتهي بالموت، وهي المرحلة الأخيرة من حياة الفرد وبداية الشّيخوخة وفقدان الكثير من الوظائف الجنسيّة والجسديّة، ويبدأ الشّخص بتقييم حياته وإنجازاته السّابقة، والنّجاح في هذه المرحلة يكون بتقبّل ما سبق من الحياة بكل أخطائه ونجاحاته دون الشّعور بالذّنب، وتقبّل دورة الحياة الطّبيعيّة، وأن الشيخوخة مرحلة من مراحل الحياة الحتميّة للأغلب وليست مرضًا أو شيئًا معيبًا، ما يطوّر لديه شعورًا بالرّضا وفهمًا لطبيعة الحياة وبالتالي يولّد عنده فضيلة الحكمة، أمّا إذا كان غير راضٍ عن ماضيه فيبدأ بالشّعور باليأس والإحباط، والدّخول بدوّامة الاكتئاب ويفشل باجتياز المرحلة.

استراتيجيّات النّمو النّفسي

يسعى الإنسان دائمًا لتطوير نفسه اجتماعيًّا وعمليًّا وتهذيبها وتنميتها وتجربة أنماط مختلفة من الحياة، والمجال دائمًا مفتوح أمام التغيّر الإيجابي، طالما توفّرت الإرادة والرّغبة في التغيير والنّمو عند الإنسان فلا يوجد شيء مستحيل، وفيما يلي استراتيجيّات تدعّم تنمية النّفس والارتقاء بها لمستويات أعلى:

  • رفع مستوى الطّموح: فلا نهاية للطّموح؛ إذ كلّما حقّق الإنسان هدفًا وضع آخر نصب عينيه وسعى لتحقيقه، وقد لا يكون الهدف دائمًا ماديًّا، فقد يكون على مستوى القبول الاجتماعي والرّوحي، والرّغبة الدّائمة في تحسين الذّات واكتساب مهارات جديدة، فالرّضا عن النّفس بداية التوقّف عن التطور، ولا يقصد هنا عدم الرّضا بل القناعة مع التطلّع الدّائم للأمام، فالحياة دائمة الحركة وعلى الإنسان أن يتماشى مع حركتها ويستمر بالحركة للأمام.
  • زيادة الوعي الذّاتي: من خلال فهم الذّات الدّاخليّة بسلبيّاتها وإيجابيّاتها، والاعتراف بالسلبيات وعدم المكابرة بالإصرار عليها، وتعزيز الإيجابيات ومحاولة تطويرها وعدم الوقوف عندها، وتدريب النّفس على تقبّل الآخر مهما كان الاختلاف، وعدم إصدار الأحكام على الآخرين، فكل إنسان لديه سلبيّاته وإيجابيّاته، وكل تصرّف ينتقده الإنسان يكون مترسّخًا بداخله في اللّاوعي، فمثل هذا الوعي يورث فضيلة التّسامح والتّعايش مع الآخر، والتّواضع ونبذ الغيرة والحسد وإحلالها بروح المنافسة السّليمة للتطوّر والنّمو.
  • تعزيز الاعتماد على النّفس: بالتوقّف عن إلقاء اللّوم على الظّروف أو الآخرين، وتحمّل وعدم توقّع من الآخرين تقديم المساعدة، فالأولى أن يتحمل الإنسان مسؤوليّة نفسه ورعايتها وتحقيق ما يرغب به دون الانتظار من قيام الآخرين بهذه المهمّة عنه.
  • النّزاهة: وهي من الصّفات التي تتطلّب شخصيّة قوّة لتحقيقها، إذ يجب أن يكون الإنسان صادقًا مع نفسه أولاً، ومع محيطه ثانيًا، وأن يبقى ملتزمًا بقيمه ومثله العليا مهما خالفت إغراءات الحياة ومتعها.
  • النّوايا الحسنة: بعدم ضمر أي بغضاء أو حقد أو حسد للأشخاص النّاجحين، فلكل مجتهد نصيب، الأمر الذي يرسّخ الإيجابيّة في النّفس ويسمو بها ويقوّي الجانب الرّوحاني منها.
  • تطوير الفرديّة: بأن تكون مرجعيّة الشّخص وقناعاته نابعة من الدّاخل للخارج وليس العكس، إذ يجب أن يعيش وفق أولوياته هو لا حسب أولويّات الآخرين، وأن يسعى لتحقيق أحلامه هو لا أحلام الآخرين مع التّركيز على القيم والمثل العليا، وتحمّل مسؤوليّة نتائج القرارات والتصرّفات، والمبادرة لحل المشاكل وعدم انتظار أحد لحلّها، مع تقبّل الانتقاد البنّاء دون توقّع مطابقة أفكاره ومعتقداته مع معتقدات وقناعات من حوله، ما يُعطي الرّوح مساحتها من الحريّة والرّاحة التي تسمح لها بالتطوّر والنّمو.

إريك إريكسون

وُلد إريكسون في ألمانيا عام 1902، وحُرم من معرفة والده البيولوجي، إذ عاش حياته منذ طفولته مع أمّه وزوجها الذي شعر بأنّه لا يتقبّل وجوده وهو ما دفعه للنّضال من أجل إيجاد هويّته الدّاخليّة طوال فترة شبابه، وقد درس إريكسون نمو الطّفل في معهد التحليل النّفسي في فيينا ولكنّه لم يفلح بالحصول على شهادة أكاديميّة رسميّة من المعهد، فكانت خبراته ومهاراته كلّها تُعزى لقراءته وتجاربه الشخصيّة والدّراسات التي أجراها، وقد شغل عدّة وظائف في كليّة الطب بجامعة هارفارد، وكان مستشارًا للإرشاد في مركز القاضي بيكر، وفي عيادة هارفارد النّفسيّة، وفي عام 1936 حصل على وظيفة في معهد ييل للعلاقات الإنسانيّة، وكان وأستاذًا في كليّة الطب بجامعة ييل، وفيها أجرى دراسة على الأطفال الذين يعيشون في محميّة سيوكس الهنديّة في ساوث داكوتا، واستغرقت الدّراسة عامًا واحدًا، بعدها انتقل إلى كاليفورنيا عام 1939 وعمل مدرّسًا أكاديميًا في جامعة كاليفورنيا، بالإضافة إلى عمله مع معهد رعاية الطّفل في نفس الولاية، وهناك واصل دراسة الأطفال من قبيلة يوروك التي تعد من السكّان الأصليّين لأمريكا، وبعدها عاد إلى ولاية ماساتشوستس وركّز دراساته على الشّباب المعاقين عقليًّا في مركز أوستون ريجز، وكان أستاذًا للتّنمية البشريّة في جامعة هارفارد مع مواصلته أبحاثه ونشر المقالات حتى وافته المنيّة في ماساتشوستس عام 1994.

السابق
قوة النفس
التالي
اسباب مرض ثنائي القطب

اترك تعليقاً