التوحد
يعرف التوحد بأنه حالة مرتبطة بالتطوّر العصبي neuro-developmental، إذ هو يصيب الإنسان ويؤثر تأثيرًا مباشرًا على كيفية معالجة الدماغ للمعلومات، فيعاني المريض المصاب بالتوحد من نقاط ضعف معينة، ويواجه صعوبات وتحديات شديدة في حياته، بيد أنه في المقابل يمتلك نقاطَ قوة، وتتسم الإصابة باضطراب التوحد في معاناة الشخص من صعوبة بالغة في التفاعل مع الآخرين، جنبًا إلى جنب مع القيام بسلوكيات محددة ومتكررة، وعمومًا، كان ينظر إلى التوحد سابقًا بوصفه مرضًا، بيد أن هذا الأمر تغير في الوقت الحالي؛ فالتوحد يشير إلى اختلاف آلية عمل الدماغ عند الشخص مقارنة بالآخرين، وهو حالة تلازم الإنسان طوال حياته، مما يعني أنه بحاجة إلى عون الآخرين ومساعدتهم في أمور معينة.
علامات التوحد عند الكبار
تتضمن الأعراض الشائعة للتوحد عند الكبار كلًَّا من الأمور التالية:
- مواجهة صعوبة بالغة في فهم أفكار الآخرين ومشاعرهم.
- المعاناة من القلق الشديد في المناسبات والمواقف الاجتماعية.
- مواجهة صعوبة كبيرة في عقد صداقات مع الآخرين، والميل إلى الانعزال.
- التكلم بصراحة شديدة تبلغ حدّ الوقاحة، أو إهمال الآخرين دون قصد.
- المعاناة من صعوبة كبيرة في التعبير عن المشاعر.
- فهم الكلام والعبارات التي يقولها الآخرون فهمًا حرفيًا.
- العجز عن فهم بعض القواعد الاجتماعية.
- الإفراط في التقرب من الآخرين، أو الشعور بالانزعاج أو الضيق عند اقتراب الآخرين أو ملامستهم إياه.
- التخطيط بعناية ودقة للأشياء قبل القيام بها.
هل يصاب الكبار بالتوحد؟
لا يصاب المراهقون أو الكبار بالتوحد، وهذا الأمر يعني أن أعراض هذا الاضطراب تظهر عند المريض قبل بلوغه سنّ الثالثة حصرًا، لذلك إذا ظهرت أعراض التوحد وسلوكياته فجأة عند مراهقٍ أو شخص بالغٍ، فهذا الأمر ليس كافيًا إطلاقًا لتشخيص إصابته بالتوحد، أيّ أن الاحتمال الوحيد لظهور التوحد عند الكبار هو إصابتهم به سابقًا في مرحلة الطفولة دون أن ينتبه الأهل ودون أن تُشخّص حالتهم، وبناء على ذلك ربما ترجع السلوكيات والتصرفات الشبيهة التي تبدو على البالغين فجأة دون سابق إنذار إلى معاناتهم من أحد الاضطرابات النفسية؛ مثل الرهاب الاجتماعي أو اضطراب القلق العام أو اضطراب الوسواس القهري، ومع أن هذه الاضطرابات تؤثر تأثيرًا بالغًا على حياة المريض وقدرته على العمل والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، فإنها ليست عائدة إلى التوحد.
التواصل والتفاعل الاجتماعي عند الكبار المصابين بالتوحد
يتواصل البالغون المصابون بالتوحد مع الآخرين بالطرق التي يرونها مناسبةً؛ فهم يعجزون أحيانًا عن فهم أنماط التواصل اللفظي وغيره عند الآخرين، ولا يفهمون غالبًا تعابير الوجه وإيماءات اليد التي يستخدمها الآخرون، لذا يُستحسن بالأفراد المحيطين بالمريض أن يُخصصوا وقتًا أطول عند التواصل معه وشرح الأمور بالطريقة التي يفضلها، كذلك يعاني البالغون المصابون بالتوحد من صعوبة كبيرة في فهم الأفكار والأمور غير الواضحة وضوحًا تامًا، وهذا الأمر يفسر لِمَ يصعب عليهم السيطرة على مشاعرهم والتواصل مع الآخرين والتفاعل الاجتماعي في المناسبات المختلفة؛ فعلى سبيل المثال قد يرى الآخرون تصرفاتِهم وكلامَهم وقحةً وبعيدة عن اللباقة والآداب رغم عدم وجود نيّة سيئة عنده قط، وهذا يشمل اقتحامه خصوصية الآخرين، وتجنب التفاعل معهم أحيانًا، وميلهم إلى العزلة، بالإضافة إلى ما سبق، يعاني البالغون من صعوبات آخرى في التفاعل الاجتماعي مثل:
- العجز عن بدء محادثة مع الآخرين أو إكمالها.
- تكرار بعض الكلمات والعبارات دون فهمها أو القدرة على استخدامها.
- تجنب التواصل البصري مع الآخرين.
- عدم التعبير عن المشاعر والأفكار، والعجز عن فهم مشاعر الآخرين.
أنماط السلوك عند الكبار المصابين بالتوحد
يُبدي مريض التوحد البالغ أنماطًا محددةً ومتكررةً من السلوك مثل:
- القيام بحركات متكررة طوال الوقت؛ مثل التأرجح أو الدوران أو رفرفة اليدين.
- ممارسة بعض الأنشطة التي يحتمل أن تكون مؤذية؛ مثل العضّ أو ضرب الرأس.
- اتباع برنامج روتيني بطقوس محددة، والشعور بالقلق والضيق عند حدوث أيّ تغيير في روتينه اليومي.
- الافتتان ببعض التفاصيل والأمور الصغيرة؛ مثل عجلات لعبة السيارة دون فهم غرضها أو وظيفتها.
- المعاناة من الحساسية الزائدة إزاء الضوء أو الأصوات أو اللمس دون أن يكترث بالألم أو درجة الحرارة.
- تجنب الانخراط بألعاب التقليد أو التخيّل.
- اتباع بعض الأمور المفضلة أثناء تناول الطعام، فقد يتناول كمية قليلة، أو يرفض تناول أطعمة ذات ملمس معين.
- الإفراط في التركيز والنشاط عند ممارسة أمر معين، أو إزاء جسم معين.
سؤال وجواب
نستعرض فيما يلي إجابات على بعض الأسئلة الشائعة حول اضطراب التوحد:
ما أسباب الإصابة بالتوحد؟
يرى الباحثون أن الإصابة بالتوحد ترجع إلى مجموعة من العوامل الوراثية والبيولوجية والبيئية، لذلك يعكفون على دراسة بعض الجينات التي يظنون أنها تسبب التوحد، فضلًا عن دور بعض مناطق الدماغ في حصول اضطراب التوحد عند الإنسان، ويركز الباحثون كذلك على الدور الذي يساهم فيه نمو الدماغ غير الطبيعي خلال الأشهر الأولى من الولادة في حدوث التوحد، فهم يحاولون التأكد من مساهمة العوامل البيئية والوراثية في حدوث هذه التشوهات البنوية؛ مثل تلك الحاصلة في الخلايا العصبية المرآتية mirror neuron systems، كذلك يتحرى بعض الباحثين دور الاستجابة المناعية الخاطئة اتجاه العدوى الفيروسية في الإصابة باضطراب التوحد جنبًا إلى جنب مع الدور المحتمل لكلّ من التركيزات المرتفعة للبروتينات في الدم عند الولادة، والخلل في انتظام ببتيدات عصبية معينة، والتعرض للإجهاد الشديد أثناء الحمل.
هل يوجد علاج شافٍ من التوحد؟
لا يوجد حتى الآن أيّ علاج شافٍ من اضطراب التوحد عند الإنسان، بيد أنّ التدخل الطبي المبكر قد يؤدي إلى نتائج أفضل في تخفيف أعراضه، وعمومًا يتبع الأطباء مجموعة من العلاجات التي تركز تحديدًا على الآداء السلوكي والمعرفي للمصاب، وهي تشمل كلًّا من الأدوية، والعلاج السلوكي، ومجموعات دعم الأسرة، وعلاجات النطق واللغة، والعلاجات المهنية التي تهدف إلى تدريب المريض حتى تتطور قدرته على اكتساب مهارات ضرورية لممارسة وظائفَ مختلفةٍ.
هل يستطيع مصاب التوحد أن يحيا حياة كاملة وطبيعية؟
لا تقف الإصابة بالتوحد حائلًا دون عيش الشخص حياة جيّدة، فهو على غرار الجميع يجيد آداء بعض الأمور ويخفق في بعضها الآخر، ولا يمنعه التوحد من عقد الصداقات أو العلاقات العاطفية أو العمل، بيد أنه قد يحتاج إلى مساعدة إضافية في هذه الأمور.