ادبيات

الفرق بين الحياة والدنيا

الفرق بين الحياة والدنيا

تُعرف الحياة في اللغة بأنها نقيض الموت، وهي التي تُميّز الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات حتى الفطريات والبكتيريا والجراثيم، إذ يُطلق على جميع ما سبق أحياء، بينما لفظ الدّنيا مشتق من الدنو أي الشيء السفلي، فالدنيا هي الحيز المكاني والزماني منذ أن خلق الله عز وجل الكون حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهي بالنسبة للإنسان تمتد منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة، ومنهم من يعدها الفترة الزمنية التي تمتد من لحظة الميلاد إلى لحظة الموت، أما مكانها فهو الأرض التي نحيا عليها، وقد وصف الله عز وجل هذه الدنيا بصفات عديدة للدلالة على أن الإنسان يحيا على الأرض حياته الدنيا التي سرعان ما تفنى، وبانتظاره حياة آخرة وهي الباقية، فالحياة هي عكس الموت أي وجود الروح والحركة، والدنيا هي المكان والزمان الذي يعيش فيه الأحياء، والدنيا هي عكس الآخرة.

تحذير الله من الدنيا

حذّر الله تعالى من الدنيا في حال أصبحت أهم غاية للإنسان، وهمُّه فيها اتباعَ شهواتها، والانغماسَ واللهو في ملذَّاتها، إذ تترك النفس الأمور الهامة وتنشعل باللهو في الدنيا، ثَمَّ يستوحشُ صاحبُها من الآخرة، وينفرُ من ذكر الموت كثيرًا، لأنه لا يرى بعدَه إلا الشقاء والبؤس، ثم تدريجيًا ينسى الغايةَ التي خُلق من أجلِها، وينسى ربه، ويمتنع عن العمل للآخرة بعدما يتملّك حب الدنيا داخل قلبَه، فينسى أوامر الله ونواهيه، ويُنسي الجهل بحقيقة الدنيا والاغترار بها الإنسان الغاية الأكرم والأهم وهي عبادة الله والعمل للآخرة، والدنيا ليست إلا لهوًا ولعبًا، فحينما تصبح أكبرَ الهمِّ والهدف الأسمى من الحياة تكون حينها الطامة الكبرى، لأن الله حكم عليها بالفناء وعدم البقاء، وهي متاعُ الغرور؛ إذ تَفتن الأشخاص بزُخْرفِها، وتغرُّهم بمحاسنها، ثم تنتهي، وننتقل بما فعلناه فيها إلى الدار الآخرة حيث الحساب على أعمال الدنيا، كما أنها لو تمكَّنت من القلب لزاحمت حبَّ الله رب العالمين؛ لأن اتباعَ أهواء النفس يُبعد عن الله تعالى لما فيه من الانشغال عما أراده الله تعالى من الخلق، إذ قال سبحانه: [ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ]  ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَن كانت الدنيا همَّه، فرَّق الله عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينَيْه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِبَ له، ومن كانت الآخرةُ نيتَه، جمع الله له أمرَه، وجعل غناه في قلبه، وأتَتْه الدنيا وهي راغمة

نعيم الدنيا الفاني

منذ أن أخرج الله آدم من الجنة والإنسان في بحث دائم وسعي مستمر عن هذه الجنة، وقد أُخرج آدم منها لارتكابه ذنبًا واحدًا؛ لتتعلم ذريته أن المعاصي والذنوب تحجب الإنسان عمّا يرجوه من الخير، وقد خرج آدم من الجنة وأُنزل إلى الأرض على وعد وأمل أن يعود إليها بعد أن تاب الله عليه وأسكنه الدنيا دار البلاء والاختبار، ولكن بعض الأشخاص ينسون هذا كله ويبتعدون عن منهج الهداية ويظنون أنه بإمكانهم تحقيق هذه الأمنية على الأرض، فحلِم الفلاسفة بالمدينة الفاضلة، وحلم الماديون بتحقيق الرفاهية، ومع أن الإنسان قد وصل إلى تحقيق ما لم يكن يحلم به من الرفاهية بسبب التطور، إلا أنه مع ذلك ما زال يبحث عن المزيد، ولا يجد راحة ولا سعادة دائمة في هذه الحياة الدنيا، بالإضافة إلى أن الإنسان يتجاهل حقائق هامة؛ فالجنة من صنع الله الخلاق العظيم، وهي هدف لا يمكن الوصول إليه إلا باتباع طريق واحد واضح المعالم وهو عبادة الله وحده لا شريك له وفق ما شُرع، والدنيا دار بلاء واختبار، لذا فهي ليست جنة، ولا يمكن أن تكون جنة. ومهما عاش الإنسان في نعيم ورفاهية في الدنيا فإنه لا يصفو، فكله تعب وكدر، ولا يرى الإنسان فيها راحة مطلقة، فالغني والفقير، والطائع والعاصي، جميعهم يرون الدنيا دار تعب، ويواجهون فيها ما يواجههم من كدر، كما أنه لا يقارن نعيم الدنيا بالنعيم الذي أعده الله للمؤمنين في الجنة، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّه مَن يَدخُلِ الجنَّةَ يَنْعَمْ ولا يَبْأَسْ، لا تَبْلى ثِيابُه، ولا يَفْنى شَبابُه، في الجنَّةِ ما لا عَيْنٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سمِعتْ، ولا خطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ) وقال: (ينادي منادٍ إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبئسوا أبدًا، فذلك قوله تعالى: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)

السابق
صفات عرش الرحمن
التالي
أسماء الله الحسنى ومعانيها وأثرها

اترك تعليقاً