اسلاميات

تعامل الرسول مع غير المسلمين

أخلاق الرسول

منذ الخَلق وحتّى قيام السّاعة، ما شهدت الأرض ولا السماء أخير من نبينا محمد عليه السلام، فهو أحسن الناس خلقًا وأكرمهم وأتقاهم، من أول لحظة في حياته تحلى بكل خلق كريم، مبتعدًا عن كل وصف ذميم، فهو أعلم الناس وأفصحهم لسانًا وأقواهم بيانًا وأكثرهم حياء، يضرب به المثل في الأمانة والصدق والعفاف، أدبه الله فأحسن تأديبه، فكان أرجح الناس عقلًا وأكثرهم أدبًا وأوفرهم حلمًا، وأكملهم قوة وشجاعة، وأصدقهم حديثًا، وأوسعهم رحمة وشفقة، وأعلاهم منزلة، وقد شهد له الله بخلقه العظيم فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}،وشهدت له قريش وقالوا عنه الصادق الأمين، وشهد له الصحابة فقال عنه أنس رضي الله عنه [كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا]، وشهدت له أم المؤمنين عائشة لما سئلت عن خلقه فقالت: [كان خُلُقُه القُرآنَ].

كان عليه الصّلاة والسلام أكرم الناس، ولم يعطِ لاجتلاب المادحين ولا للكسب، بل كان يبذل في سبيل الله، كان يعطي العطاء الجزيل، وما سُئل عن شيء إلا أعطاه، وكان صادقًا مع ربه ومع نفسه ومع الناس ومع أهله، بل وكان صادقًا أيضا مع أعدائه، ولم يُسمع من فمه كذب قط ولم يشك أحد بخبر من أخباره، وكان أصبر الناس على الأذى، وكلما أمعن الكفار في إيذائه، وكان يزداد صبرًا، فكان الصبر درعه وحليفه، وكان عادلًا، إذ قد وسع عدله القريب والبعيد، والصديق والعدو، والمؤمن والكافر، حتى أنه كان عادلًا مع البهائم والحيوانات، وكان عفوًّا، فقد مثل عفو الإسلام خير تمثيل، أما عن رحمته، فقد شهد بها ربنا عز وجل بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}إذ قد شملت رحمته الرجال والنساء، الأقوياء والضعفاء، الأصحاء والمرضى، الأغنياء والفقراء، اليهود والنصارى، الإنسان والحيوان، وكان شُجاعًا، وكانت أخلاقه صلى الله عليه وسلم سببًا في دخول الكثير من الناس في الإسلام، لما رأوا عليه من حسن الخلق.

تعامُل الرسول مع غير المسلمين

بعد أن هاجر سيدنا محمد عليه السلام إلى المدينة، أصبح سيدًا عليها وأصبحت قريش اليهود من الأقليات في المدينة المنورة، وبعد توسع الدولة الإسلامية صار فيها أيضا أقليات من النصارى، وتمتعت جميع هذه الأقليات بحريتها الدينية، فكانت كل أقلية تمارس شعائرها الدينية كما تحب، والحرية الدينية هي مبدأ أقره الإسلام منذ نزول الوحي، لترتقي بها الإنسانية وتسعد في ظلها البشرية، وكانت سيرة نبينا عليه السلام خير شاهد على الحرية الدينية، فبرغم ما عاناه رسول الله والمسلمون من تعذيب وقسوة من قريش ليغيروا دينهم، إلا أن الرسول عليه السلام لم يعاملهم بالمثل، ولم يفرض عليهم عقيدة لم يقتنعوا بها، وذلك تطبيقًا لقول الله تعالى: { أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، كما أقر الرسول عليه الصّلاة والسلام لليهود بأنهم يُشكلون مع المسلمين أمة واحدة في أول دستور للمدينة.

كما كان النبي عليه الصّلاة والسلام يتعامل مع غير المسلمين بالعدل، وكان لا يظلم أحدًا منهم قط، فهذا رسول الله عليه السلام كان في فرقة من جيشه يحتاجون الطعام، وكان يمر بهم رجل مشرك مع غنمه، فيشتري منه الرسول الشاة بثمنها، مع أن الرسول كانت معه القوة وكان في شدة احتياجه للطعام، ومع أن الرجل لم يكن على دين النبي إلا أن الرسول عليه السلام لم يظلمه، وهذا من أرقى صور العدل .

وكان عليه السلام يعامل غير المسلمين كمعاملة الرجل لأهله، وكان يحترمهم، وكان النبي عليه السلام يعود المرضى منهم ويخاف عليهم من نار جهنم، وكان يأمر المسلمين بأن يصلوا أهلهم من المشركين، وقد ورد في سيرته العطرة عليه السلام [أنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ، وَسَهْلَ بنَ حُنَيْفٍ، كَانَا بالقَادِسِيَّةِ فَمَرَّتْ بهِما جِنَازَةٌ فَقَامَا، فقِيلَ لهمَا: إنَّهَا مِن أَهْلِ الأرْضِ، فَقالَا: إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَرَّتْ به جِنَازَةٌ، فَقَامَ فقِيلَ: إنَّه يَهُودِيٌّ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا. [وفي رواية]: كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ ع عليه وَسَلَّمَ فَمَرَّتْ عَلَيْنَا جِنَازَةٌ] وهذه من أبلغ وأروع المواقف التي علمنا إياها رسولنا الحبيب في احترام غير المسلمين حتى الموتى منهم.

أمثلة على تعامل الرسول مع غير المسلمين

إذا قرأتَ سيرة الرسول عليه السلام فإنك تجد فيها أمثلة كثيرة على حسن خلقه عليه السلام في تعامله مع غير المسلمين، فمجتمع رسول الله كانت فيه أقليات كثيرة من غير المسلمين، وكان يعاملهم عليه السلام أحسن معاملة، ومن الأمثلة على تعامله عليه السلام مع غير المسلمين:

  • كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوفي بالعهود مع غير المسلمين، بل وشدد عليه السلام في التحذير من قتل المعاهدين، الذين أعطاهم المسلمون عهدًا، قال عليه السلام: [مَن قَتَلَ مُعاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عامًا].
  • كان عليه السلام يتعامل مع غير المسلمين في التجارة ويشتري منهم ويبيع لهم، فقد رهن النبي عليه السلام درعًا له بالمدينة عند يهودي، فعن أنس بن مالك قال: [أنَّهُ مَشَى إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بخُبْزِ شَعِيرٍ، وإهَالَةٍ سَنِخَةٍ، ولقَدْ رَهَنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دِرْعًا له بالمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وأَخَذَ منه شَعِيرًا لأهْلِهِ].
  • كان عليه السلام يأكل من أكل أهل الكتاب، ويقبل هداياهم ويتودد إليهم ويرحم بهم، فقد ورد [أنَّ امرأةً يَهوديَّةً أتت رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ بشاةٍ مسمومةٍ فأَكلَ منْها فجيءَ بِها إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فسألَها عن ذلِكَ ؟ فقالت : أردتُ لأقتلَكَ قالَ : ما كانَ اللَّهُ ليسلِّطَكِ على ذلكَ أو قالَ عليَّ فقالوا ألا نقتلُها قالَ لا قالَ أنس فما زلتُ أعرِفُها في لَهواتِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ]،وهنا نرى أن النبي قبل هدية المرأة اليهودية، ومنع الصحابة من قتلها، من رحمته بها عليه السلام.
  • كان عليه السلام يزور غير المسلمين، ويعودهم في مرضهم، بل كان يخاف عليهم من النار، فقد ورد عنه عليه السلام [كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ]، فانظر كيف ضرب عليه السلام أروع الأمثلة في رحمه بالغلام اليهودي، وحرصه عليه السلام على هدايته إلى الإسلام، وعيادته للمريض ولو كان غير مسلم.

مَعْلومَة

جعل الله عز وجل في تعاملنا مع غير المسلمين ضوابط شرعية لا يمكننا تجاوزها، وخص الله أهل الكتاب عن غيرهم من غير المسلمين في بعض الأمور، التي تكون في تعامل المسلمين معهم، منها:

  • الزواج: إن تزويج غير المسلم من المسلمة حرام لا يجوز باتفاق أهل العلم، إذ قال تعالى: {وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا}، فلا يجوز تزويج الرجل غير المسلم من المرأة المسلمة، كما تحرم غير المسلمة على زوجها إذا أسلمت ويفرق بينهما، كما لا يحل للرجل المسلم أن يتزوج من المرأة المشركة، وذلك لقوله تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ}، وقد خص الله أهل الكتاب في مسألة زواج الرجل المسلم بالكتابية المحصنة، فالمرأة المحصنة من أهل الكتاب يجوز للمسلم أن يتزوجها.
  • الذبح: أحل الله تعالى للمسلمين ذبائح أهل الكتاب قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ}، أي أن ذبائح اليهود والنصارى دون غيرهم من الكفار حلال للمسلمين.
السابق
فوائد تكرار أسماء الله الحسنى
التالي
ما هي فضائل يوم الجمعة؟

اترك تعليقاً