اسلاميات

حماية البيئة في الاسلام

مفهوم البيئة

تعرف البيئة لُغةً بأنها المكان والمنزل، والاسم البِيئة، والباءة، والمباءة، وتُطْلَق على مسكن القوم، ومنه المباءة أي مَعْطِن الإبل؛ حيث تُنَاخُ في موارد الماء أو في المراح الذي تبيت فيه، أما البِيئة اصطلاحًا فهي كلمةٌ جامِعَةٌ تشمل جميع جوانب الحياة، وقد تتَّسع البيئة لِتَشْملَ الأرض التي نعيش عليها، والسَّماء وما فيها من نجوم وكواكب، وقد تضيق فتمثل خاصة بيت الإنسان، ومكان عمله، وسكنه، وهي بشكل عام: كلُّ ما يحيطُ بالإنسان مِن مَوْجُودات، من ماء، وهواءٍ، وحيوانات، ونباتات، وجمادات، وهيَ المحيط الطَّبيعي الذي يعيش فيه الإنسانُ حياته، ويمارس فيه نشاطاته المتنوعة؛ لِيُحَوِّلها إلى بيئةٍ معمورة، والبيئة المعمورة تشمل البِيئة الأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة، والتِّكنُولوجيَّة، ولِلْبِيئة نظامٌ دقيقٌ ومُتَوازنٌ، صَنَعَهُ الله جلّ وعلا [صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ] ولكن جاء الإنسان وعْبَثَ بِكُلِّ مكونات البِيئة، وهددت أعماله جميع عناصرها، وهذا الضرر الذي أحدثه الإنسان يُسَمِّيه القرآن الكريم “الإفساد”، وتسمِّيه العُلُوم الحالية بـ”التَّلَوُّث”.

حماية البيئة في الإسلام

شرع الإسلام أحكامًا أساسية في المحافظة على البيئة لم تكن موجودة قبله في أي من العصور عبر التاريخ، الأمر الذي يعد تميزًا مطلقَا للتشريع الاسلامي، كما ركز التشريع على أهمية مسؤولية أفراد المجتمع في الحفاظ على البيئة بكل عناصرها، وذلك بالرغم من أنه لم يثبت تاريخيًا ظهور مشكلة التلوث في وقت البعثة النبوية أو قبلها، كما أن هذه المشكلة لم تعرف في العالم كله قبل الحرب العالمية في ثلاثينات القرن الماضي، وهو ما يثبت أن التشريع الإسلامي هو من عند حكيم عليم، وهذا ينسجم مع نظرة هذا الدين العظيم إلى أن الكون هو من صنع الله ويجب المحافظة عليه، فالإسلام هو أول من شرع أحكامًا تنص على الحفاظ على البيئة وله الريادة المطلقة في هذا الخصوص.

وسائل حماية البيئة في الإسلام

بالعودة إلى التاريخ الإسلامي نلاحظ أن الإسلام قد سبق النظم الأوروبية الحديثة في وضع التشريعات البيئية والعمل بها ومحاسبة من يخالفها، وعند الاطلاع على مصادر الفقه الإسلامي نجد نصوصًا كثيرة تتعلق بحماية البيئة من التلوث للوصول للأمن البيئي بجميع صوره وأشكاله، ومن ذلك ما يلي:

  • نهت الشريعة الإسلامية عن ممارسة أي سلوك سلبي أو إيجابي قد ينتج عنه حدوث ضرر بالبيئة، كتخلص شخص أو جهة من النفايات الخطرة أو المواد السامة في عرض البحر؛ إذ يندرج ذلك في عموم النهي الوارد في قوله تعالى: [وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا] . كما أن النهي الوارد في الآية يسمح لولي الأمر بأن يضع الأحكام الخاصة بالجرائم التعزيرية وذلك لحماية البيئة من الفساد بجميع صوره وأشكاله.
  • نهت الشريعة الإسلامية عن جرائم الخطر المجرد، كالمبالغة باستخدام الموارد الطبيعية واستنزافها، كالإفراط الجائر في صيد نوع معين من الأحياء الحيوانية مما قد يعرضها للانقراض؛ إذ قال تعالى: [يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ].
  • حثّت الشريعة الإسلامية على الزراعة والغراسة والاستزراع واستصلاح الأراضي حتى ولو في آخر لحظات العمر، فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها]. وذلك بسبب الدور الكبير الذي تؤديه المناطق الزراعية في الحفاظ على البيئة وحمايتها من مخاطر التلوث.

قواعد الحفاظ على البيئة في الإسلام

استنبط علماء المسلمين قواعد فقهية عامة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لحل المشاكل البيئية التي يواجهها العالم في الوقت الحاضر، ومن هذه القواعد:

  • الضرر يُزال: وترجع هذه القاعدة إلى حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم: [لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ] وتعني هذه القاعدة أن كل شخص له كامل الحرية في أن يتصرف فيما يملك إذا لم يحدث ضررًا، فإذا حصل منه ضرر للغير فيحق لولي الأمر التدخل واتخاذ كل ما قد يمنع وقوع الضرر الذي قد يحل ببعض عناصر البيئة.
  • درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: فإن كان استغلال موارد البيئة لتحقيق مصلحة شخصية ومؤقتة قد يؤدي إلى الإضرار بهذه الموارد وإتلافها، ويتسبب في استنزافها، فلا يسمح به.
  • الضرر لا يزال بضرر مثله: فإذا تساوى الضرر الذي يلحق بالبيئة بالضرر الناتج عن حرمان صاحب حق الملكية لمشروع ما من استعمال حقه، فإنه لا يجوز حرمان صاحب الحق من استعمال حقه لإزالة الضرر الذي يلحق بالبيئة، وكذلك إذا كان هناك مصدر لتلويث الهواء في منطقة معينة -مصنع مثلًا- فلا يصح أن يُزال المصنع لإنشاء محرقة قمامة مكانه.
  • الموازنة بين المصالح: وتعني هذه القاعدة أنه إن كان هناك مصالح متعددة ومتعارضة فإنه يعمل بالترجيح بينها، وتغليب الأهم منها على ما دونها، مثل أن يشتري الشخص المنتجات الصديقة للبيئة بدلًا من المواد الضارة بها أو التي تؤذي طبقة الأوزون مثلًا.
  • ما جاز بعذر بطل بزواله: من حق ولي الأمر إيقاف بعض المشاريع والأعمال إذا كان ضررها على بيئة الإنسان أكثر من نفعها، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
  • ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام: ويندرج تحت قائمة الحرام كل ما يضر بالناس والبيئة، وبالتالي فإن أي عمل يضر الناس في صحتهم أو راحتهم، مثل إنتاج غازات تؤذيهم، أو التسبب بإزعاج يقلق راحتهم يعد أمرًا غير مقبول.
  • ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب: فإذا كان الحد من تلوث البيئة في بلد ما يتطلب إصدار قانون أو وضع معايير تحدد مواصفات الملوثات التي تنتج عن عوادم المصانع والسيارات في بيئة هذا البلد، فإن إصدار هذا القانون يصبح واجبًا، لأن الواجب الأساسي هو حماية الناس من أضرار التلوث والذي لا يتم إلا بهذا القانون.
  • الحفاظ على العناصر الأساسية للبيئة في التشريع الإسلامي: إن حماية البيئة والحفاظ عليها يتمثل بشكل رئيسي في الحفاظ على عناصرها الأربعة، وهي: الماء، والهواء، والغذاء، والتربة.
السابق
موضوع عن غزوة بدر
التالي
كيف نظم الاسلام العلاقة بين الاباء والابناء

اترك تعليقاً