اسلاميات

خطب ومواعظ عن الموت

تعريف الموت

يعد الموت هو خروج النفس التي يسميها الإنسان بالروح من جسده خروجًا نهائيًا في الدنيا، أو انفصال الروح عن الجسد انفصالًا يسبب توقف أجهزة الجسد عن العمل، ويدل على هذا قوله تعالى بسورة الزمر: [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] ، وهذا المعنى للموت هو المعنى الظاهر لحواس الإنسان في الدنيا، وأما الخفي عن العيون والحواس فهو أن الموت عبارة عن انتقال نفس الإنسان من الحياة في العالم الدنيوي إلى الحياة في العالم البرزخي، وهو انتقال الإنسان من الحياة في عالم الشهادة إلى الحياة في عالم الغيب، وينقسم الموت إلى نوعين؛ موت الفجأة؛ وهو الذي يحدث والإنسان في كامل صحته وعافيته فجأةً دون أي إنذار، والموت المتوقع؛ وهو الذي يتوقع حدوثه نتيجة حدوث سبب من الأسباب التي تؤدي للموت، كالمرض والحرب، فلا بدّ لكل مؤمنٍ بالله أن يعوّد نفسه على ذكر الموت، وأن يجاهد نفسه على ترك الذنوب والمعاصي، والمبادرة بالتوبة إلى الله وعمل الصالحات، ولا يعني تذكر الموت أن نجعله مقترنًا بالحزن والخوف، بل يجب تذكره وجعله مقترنًا بتجنب سوء الخاتمة وغضب الله تعالى وعدم رضاه.

مواعظ عن الموت

من المواعظ عن الموت ما يأتي:

  • يعد الموت من قضاء الله وقدره، وقد كتبه الله على كل نفس، ويعد موت أحد الأشخاص المقربين من أعظم الدوافع للمسلم لأن يراجع نفسه ويصحو من غفلته ويتوب إلى الله ويحسن الاستعداد للقائه تعالى، فموت من حولنا هو رسالة متكررة إلينا من الله لينبهنا ويوقظنا من غفلتنا، وقد ذكره الله تعالى في كتابه في 35 موضعًا، منها؛ قوله سبحانه: [قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ]، وهل يوجد واعظ أبلغ من الموت، فبينما ترى للإنسان وجهًا مضيئًا وجسدًا حيًا وعقلًا مدبرًا، إلا أن الموت يهبط عليه فينطفىء ذلك الوجه المضيء، ويفنى الجسد الحي، ويتحول الإنسان فجأةً إلى جثة هامدة ليُوارى في التراب، فيجب على الإنسان العاقل أن يتذكر تلك اللحظات، وألا يغتر بما هو فيه من العافية والسلامة، فالموت يأتي بغتةً، وقد روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [قال رجل من الأنصار: من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله؟ فقال: أكثرهم ذكرًا للموت، وأشدهم استعدادًا له، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة].
  • يعد التفكر في الموت وفي أحواله وذكر القبر وظلماته أكثر ما يلين القلوب، فالموت حق ويقين لا شكّ فيه، فلا يستطيع أحد أن يجادل فيه وبسكرته، ولا يقدر أحد على تأخير موته وتأجيل ساعته، قال تعالى: [فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ]، فلا يجب على الإنسان أن يتكير وهو مدرك أنه سيُلقى ويُدفن في التراب، وأنه مهما فعل وعلا مقامه في الدنيا فإن نهايته إلى القبر، فعلى الإنسان أن يذكر هذه اللحظة الحاسمة فإنها لحظة خذلان وكرامة، يخذل فيها العصاة، ويكرم فيها المؤمنون، والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة بل بترك المنكرات، والرجوع إلى الله تعالى، وإزالة العداوة من القلوب، وبر الوالدين، وصلة الأرحام وجميع الأعمال الصالحة، فيجب على الإنسان ألّا يغفل عن الموت، وأن يعدّ نفسه لوقت خروج الروح ومفارقتها للجسد عسى أن يرحمه الله ويختم له أعماله بالصالحات، فالإنسان في مهلة ما دام في هذه الدنيا، إذ يجب عليه أن يغتنم فرصة العمل قبل انقضاء الأجل، فالموت ليس له مكان معلوم، ولا زمن محدد، ولا سبب ولا عمر معين بل يأتينا بغتة، فالواجب على العبد أن يحاسب نفسه قبل أن يأتي يوم حسابه أمام الله، وأن يستعد للموت قبل أن يفوت الأوان.

لا مفرّ من الموت

قال تعالى[ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ]، وتعني هذه الآية أن سيدنا محمد سيموت كما مات جميع الأنبياء من قبله، فالموت كتاب مؤجل على جميع الناس، لا يتقدم عنه الميت لحظةً ولا يتأخر، وقال الله تعالى: [وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلًا]، ومهما حرص الإنسان على الهروب من الموت، والاختباء في المحصنات من المباني، فإن الله جل وعلا يخرج أرواحهم من داخلها، إذ قال جل وعلا: [أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ]، فلو كان بناءً حصينًا فإن الله جل وعلا يرسل ملك الموت إلى الشخص الذي حان أجله فيقبضه لو كان في برج منيع.

الخوف من الموت

يعد الخوف المطلوب من الموت هو الخوف الذي يدعو الإنسان للتفكر في حاله، ومراقبة نفسه ومحاسبتها على أعمالها السيئة، فهو ما يدعو العبد إلى ترك المعاصي ومداومة الاستغفار والتوبة، ولكن الخوف الذي يشكّل لدى الإنسان حالة هلع وتوجس وترقب لخطر قادم يجعله يعيش مكتوف الأيدي، ويبعده عن العمل ويؤخره عن واجباته، فهو مذموم، ومن يعيش هذا الخوف عليه أن يزيله ويحدّ منه، لأن ذلك من وسوسة من الشيطان الرجيم، لكي يتعب قلب المؤمن، وللتخلص من هذه الوسوسة عليه أن يتيقن بأن كل أمر بأمر الله ومن عنده، وما الموت إلا من قضاء الله وقدره، ولا حيلة لابن آدم في دفعه، أو الحيلولة دون وقوعه، فالخوف من الموت لا يؤخر ولا يقدم، فلن يأتي الأجل إلا عندما يأمر الله بذلك في وقته المعلوم، ولن يتقدم عن ذلك، سواء خاف منه الإنسان أو لم يخف، وعليه تذكر لطف الله بعباده المؤمنين ورحمته بهم، فهو الرحمن الرحيم الذي سبقت رحمته غضبه، كما عليه أن يتوكل على الله تعالى، وإذا شعر بهذه الهواجس فليلجأ إلى الله تعالى بالاستعاذة، قال تعالى: [وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] (الأعراف/200)، كما عليه أن يبدأ حياته اليومية بثبات ويقين، فكم في هذه الدنيا من المبشرات التي تبعث الأنس والطمأنينة في النفوس وتعيد للإنسان الأمل وتزرع في نفسه اليقين.

السابق
موضوع عن يوم القيامة
التالي
أسماء سدود الفجيرة

اترك تعليقاً