اسلاميات

شروط اقامة حد الزنا

الزنا

ديننا الإسلامي هو دين عفة وطهارة ونقاء وعزة وقوة، ولأنه كذلك فقد حرّم الله الفواحش كلّها ما ظهر منها وما بطن، قال تعالى :{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}، ويعد الزنا من أشد وأخطر الفواحش، فهو جريمة مدمرة تؤدي إلى الهلاك والهوان والفقر والمرض وتجلب غضب الله، فقد ذكر الله تعالى الموبقات وهي المهلكات التي ذكر منها الزنا، فهي تهلك الفرد والمجتمع، وقال تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}، وفي هذه الآية تحذير من الاقتراب من الزنا تجنبًا للوقوع فيه، وجاءت خطورة الزنا في القرآن الكريم مقرونة بالشرك والقتل لعظم أمرها، ووعد الله تعالى الزاني بمضاعفة العذاب ما لم يتب، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ۝ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا}، وكل هذا الوعيد جاء في الزنا لأنه من أفحش الفواحش وأشد الجرائم وأبشع المعاصي وأقبح الذنوب، كما ويورث الزنا الجرأة على معصية الله، فهو يوقع صاحبه بجرائم عديدة مثل؛ الاغتصاب والعنف الجنسي والقتل، ومن أكبر أضراره على المجتمع اختلاط الأنساب، كما أن جريمة الزنا لم تحل ولا في أي ملة لا قبل الإسلام ولا بعده، ولذلك فقد رتب الله تعلى حدًّا للزنا هو من أشد الحدود في الإسلام، فاحرص أيها الرجل على الابتعاد عنه وتجنبه قدر المستطاع حتى تتجنب غضب الله تعالى وعذابه في الدنيا والآخرة.

شروط إقامة حدّ الزنا

لأن حدّ الزنا من الحدود التي قد تودي بصاحبها إلى الموت في بعض الحالات، فقد جعل الإسلام لإقامة حدّ الزنا شروطًا تحفظ الناس من الظلم والافتراء والتبلّي، وحتى من الجهل أيضًا، ومن هذه الشروط؛ وطوء الفرج من القبل أو الدبر، وانتفاء الشبهة، وثبوت الزنا، فلا يثبت الزنا إلا بأمرين؛ الأول أن يقر أربع مرات في مجلس واحد أو مجالس متعددة وهو بالغ عاقل، وأن يصرح بذكر حقيقة الوطء ولا يتراجع عن إقراره حتى يقع الحدّ، والثاني أن يشهد عليه أربع رجال أحرار عدول يصفون الزنا، وأن يأتوا في مجلس واحد سواء جاؤوا مجتمعين أو متفرقين، فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم أو شهد ثلاثة رجال وامتنع الرابع عن الشهادة أو لم يكملها فعليهم حدّ القذف، وإن كانوا فاسقين أو عميانا فعليهم الحدّ، وإن شهد بها اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد وشهد الاثنان الآخران أنه زنى بها في بيت أو بلد آخر فجميعهم يقام عليهم حدّ القذف.

عقوبة الزنا

لأن الزنا من أعظم الكبائر عند الله، ولأن فيها مفاسد كثيرة على الفرد والمجتمع، فإن الله تعالى قد جعل عقوبتها وخيمة على الزاني في الدنيا والآخرة، وقبل التحدث عن عقوبة الزنا فاعلم أن باب رحمة الله واسع، وأن على الزاني المبادرة بالتوبة من هذا الذنب العظيم الذي اقترفه، أما عقوبة الزنا في الدنيا والآخرة تتمثل بما يلي:

  • العقوبة في الدنيا : تكون عقوبة الزاني في الدنيا بإقامة الحد عليه عند الحاكم المسلم، وتكون على أمرين؛ إذا كان الزاني بكرًا فإن حده يكون مائة جلدة ويغرب من بلده عاما كاملا، قال تعالى : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ}، أما إذا كان الزاني محصنًا، والمحصن هو الذي سبق له وطء زوجته في زواج صحيح، فإنه يرجم بالحجارة حتى الموت، ويستوي الرجال والنساء في هذان الحدان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بالبِكْرِ، الثَّيِّبُ جَلْدُ مِئَةٍ، ثُمَّ رَجْمٌ بالحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِئَةٍ، ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ] .
  • العقوبة في الآخرة: أعد الله عز وجل للزاني في الآخرة عذابًا أليمًا، وذلك لأن الزنا من أكبر الكبائر وأن له مفاسد كبيرة في المجتمع الإسلامي، ومن وعيد الله عز وجل للزاني ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : [فانْطَلَقْنا، فأتَيْنا علَى مِثْلِ التَّنُّورِ – قالَ: فأحْسِبُ أنَّه كانَ يقولُ – فإذا فيه لَغَطٌ وأَصْواتٌ قالَ: فاطَّلَعْنا فِيهِ، فإذا فيه رِجالٌ ونِساءٌ عُراةٌ، وإذا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِن أسْفَلَ منهمْ، فإذا أتاهُمْ ذلكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، “وفي آخر الحديث سأل عنهم صلى الله عليه وسلم فقيل” : وأَمَّا الرِّجَالُ والنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ في مِثْلِ بنَاءِ التَّنُّورِ، فإنَّهُمُ الزُّنَاةُ والزَّوَانِي]، ونرى في هذا الحديث وعيد الله للزناة، فهم يوضعون في نار جهنم في مثل التنور ويأتيهم اللهب، فاحرص على أن تتجنب عقاب الله وعذابه.

مَعْلومَة

إن من أعظم الكبائر أن يلقى العبد ربه وقد قتل نفسًا، قال تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمد ًا فجزاؤه جهنم خالد ًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاب ًا عظيم ًا النساء}، ولأن حدّ الزنا للمحصن يوجب قتله فإن الإسلام عظّم ذلك الأمر وجعل أمر إقامة الحدّ في الزنا أمرًا لا ينبغي لأحد إلا بإذن السلطان، فإن كان السلطان لا يحكم بالشرع فلا يجوز لعامة الناس أن يقيموا الحدود، ومن فعل ذلك فهو آثم؛ وذلك لأن إقامة الحد تحتاج في إثباتها وإقامتها إلى اجتهاد وعلم شرعي، وذلك حتى يعلم متى يثبت ومتى ينتفى وما هي شروطه، وأغلب الناس اليوم لا يعرفون ذلك، كما وأن إقامة الحد تترتب عليها مفاسد عظيمة وإخلال بالأمن، فقد يعتدي الناس على بعضهم البعض بالقتل والتقطيع بحجة إقامة الحدّ، وخلاصة ذلك أن الحدّ في الإسلام سواء أكان حدّ الزنا أو غيره لا يقام إلا بإذن الوالي، أما ما نراه اليوم من بعض جرائم الشرف التي يرتكبها الأهل بحق بناتهم فكلّ هذا منافٍ للإسلام ولا يثبت أنه حدّ، بل هو من الظلم والبغي بغير حق.

السابق
أضرار العلاج بالإشعاع
التالي
علاج ضعف العصب السمعي بالقرآن

اترك تعليقاً