الصحة النفسية

مفهوم متلازمة داون

 

تعريف متلازمة داون

تشيرُ متلازمة داون إلى ولادة طفل يحمل نسخةً إضافيةً من الكروموسوم رقم 21، ممّا يؤدي إلى حدوث إعاقات وتأخُّرٍ يمسُّ النمو البدني والذهني لدى هذا الطفل، وتوصف أغلب هذه الإعاقات بكونها دائمةً، كما يُمكنها تقصير العمر المتوقع للطفل، لكن بصورة عامة يُمكن للأفراد المصابين بهذه المتلازمة أن يعيشوا حياةً صحيةً وطبيعيةً إلى حدٍّ ما بفضل التّطورات الطّبية الخاصة بعلاجاتهم، وبفضل الدّعم والقبول الاجتماعي الذي بات الكثير منهم يتمتّع به حاليًا، ويرفضُ الخبراءُ وصفَ مفهوم متلازمة داون بالمرض، وإنّما يصفونها بالدّلالة على السّمات أو الخصائص التي تحدث للطّفل بسبب التّغيرات الجينية المتعلقة بالكروموسومات لديه، لكن يجدرُ التّذكير هنا أنّ حدوث هذه التغيرات الجينية يزيد من خطر الإصابة بأمراض أخرى، كما أنّ نصفَ الأفراد المصابين بهذه المتلازمة هم أيضًا مصابون بتشوهات خلقية في القلب، وتشير الأدلة العلمية إلى ظهور متلازمة داون عند حالة حمل واحدة من بين 700 حالة، وتزداد فرص إصابة بالطفل بهذه المتلازمة عند حدوث الحمل عند النساء بأعمار أكثر من 35 سنة.

تاريخ متلازمة داون

بقي الأفراد المصابون بمتلازمة داون موضع الكثير من النّقاشات الفنيّة والعلمية على مرور القرون، ولم يكن يوجدُ من يتحدث عن حالتهم الطبية إلا بعد مجيء القرن التاسع عشر، عندما نشر الطّبيب الإنكليزي جون لانغدون داون أوّل وصف دقيق لأحد حالات متلازمة داون في عام 1866، ومنذ ذلك الحين سُميّت هذه الحالة على اسمه، على الرّغم من أنّ الكثيرَ من الأطباء قد وصفوها من قبله، إلا أنّه كان أول من عاملها على أنّها حالةً مفصولة عن غيرها من الحالات، ثم جاء الطّبيب الفرنسي جيروم لوجون عام 1959 ليضع فرضية أنّ متلازمة داون ناجمة عن حالة تتعلّق بالكروموسومات، ومن ثم توالت الإنجازات المتعلقة بالأبحاث الطّبية المتخصصة بهذا الموضوع.

أسباب الإصابة بمتلازمة داون

تنجم الإصابة بمتلازمة داون عن وجود كروموسوم إضافي في خلايا الطفل، وفي أغلب الحالات لا يُعزى ذلك إلى أسباب وراثية، وإنّما إلى حدوث تغيير في البنيّة الجينيّة للحيوان المنوي أو البويضة عند الإخصاب، ويؤكّد الخبراء على أنّ نسبةً ولادة طفل بهذه المتلازمة يبقى قليلاً عند أغلب حالات الحمل، لكنّ الاحتماليةَ تزداد مع تقدم الأم بالعمر؛ ففي حال كان عمر الأم 20 سنةً، فإنّ الاحتماليةَ ستكون 1/1500، بينما إذا كان عمر الأم هو 40 سنةً فإنّ النّسبة سترتفع لتصبح 1/100، ويؤكّد الخبراءُ كذلك على انعدام وجود دليل يشير إلى وجود أيّ شيء قد يزيد من احتمالية الإصابة بمتلازمة داون خلال أو قبل الحمل.

ويُمكن توضيح الأمر بقولنا أنّه تحتوي خلايا الإنسان الطبيعية على 23 زوجًا من الكروموسومات التي تأتي من الأم والأب، لكن حصول انقسام في الكروموسوم رقم 21 تحديدًا يُمكن أن يؤدي إلى الإصابة بمتلازمة داون، وفي الحقيقة تُعد الانقسامات الحاصلة في هذا الكروموسوم هي المسؤولة عن جميع الخصائص الجسدية التي تظهر عند المصابين بمتلازمة داون، لكن توجد ثلاثة أنواع أو تغيرات جينية مختلفة يُمكن أن تُسبب متلازمة داون، وعلى أيّة حال تزداد فرص إصابة الجنين بمتلازمة داون لعوامل كثيرة، من أبرزها الآتي:

  • تقدم سنّ الأم: تزداد فرص حصول الانقسامات الجينية الشاذة في بويضات الأم كُلما تقدمت بالسنّ، لذا ليس من الغريب أن تزداد فرص ولادة طفل مصاب بمتلازمة داون عند النساء بأعمار أكثر من 35 سنة، لكن وفي نفس الوقت فإن أغلب الأطفال المصابين بمتلازمة داون يولدون لأمهات بأعمار أقل من 35 سنة؛ لأن النساء بأعمار أقل من 35 سنة هنّ اللواتي ينجبن العدد الأكبر من الأطفال.
  • جينات الأم أو الأب: يُمكن لجينات الإصابة بمتلازمة داون أن تنتقل إلى الجنين عبر جينات الأم أو الأب في حال كانت هذه الجينات تحتوي أصلًا على التحولات الجينية المسببة لمتلازمة داون.
  • ولادة طفل بمتلازمة داون من قبل: تزداد فرص ولادة طفل مصاب بمتلازمة داون في حال ولادة أخ له مصاب بالمتلازمة من قبل.

أعراض متلازمة داون

تتراوح الخصائص أو المشاكل التي يُعاني منها الأفراد المصابون بمتلازمة داون ما بين خفيفة، ومتوسطة، وشديدة للغاية، وهذا يعني أنّ بعضهم سيكون بحالة صحيّة أفضل من غيرهم، وعلى الرّغم من وجود ملامح وجه مميزة لدى الأطفال والبالغين المصابين بمتلازمة داون، إلا أنّ هذه الملامح قد تختلفُ فيما بينهم، وقد تتضمّن ما يلي:

  • تسطح الوجه.
  • صغر حجم الرأس.
  • قصر طول الرقبة.
  • بروز اللسان إلى الأمام.
  • ميلان جفون العينين إلى الأعلى.
  • صغر حجم الأذنين واتخادهما لشكل غير طبيعي.
  • ضعف القدرة العضلية.
  • صغر حجم الأصابع، والقدمين، واليدين وتوسعهما مع وجود غضن واحد فقط في راحة اليد.
  • قصر القامة والتحلي بمرونة مفرطة.
  • وجود بقع بيضاء صغيرة في شبكية العين تُدعى بقع بروشفيلد.

ويُعاني المصابون بمتلازمة داون عادةً من مشاكل تتعلق بالنّمو الإدراكي لديهم إلى درجة تجعلهم يُعانون من إعاقة فكرية قد تتراوح بين خفيفة إلى متوسطة، كما تتباين القدرات الفكرية والإدراكية بينهم تباينًا كبيرًا، لكن عمومًا يصل الأطفال المصابون بهذه المتلازمة إلى مراحل التّطور الفكري بصورة متأخرة مقارنة بأقرانهم الآخرين، وقد يُواجهون أيضًا تأخرًا في اكتساب القدرات الكلامية إلى درجة الحاجة لعلاجات خاصة تساعدهم على تعلّم اللغة، وفي أغلب الحالات سيكون بإمكان الطّفل المصاب بهذه المتلازمة الجلوس عندما يبلغ سنّ 11 شهرًا، والحبو أو الزّحف عندما يصل إلى 17 شهرًا، والمشي بعد مرور 26 شهرًا، وقد يتعرّض الطفل إلى مشاكل تتعلّق بحدّة الانتباه وسوء إعطاء الأحكام، لكن يُمكن لأغلب المصابين بمتلازمة داون الذهاب إلى المدرسة والاشتراك بالنشاطات العادية، وربما العمل أيضًا كسائر أفراد المجتمع، بينما تبقى فرص إصابتهم ببعض الأمراض مرتفعة للغاية، بما في ذلك المشاكل الصحية التالية:

  • المشاكل التنفسية.
  • الصعوبات السمعية وفقدان السمع.
  • مرض الزهايمر.
  • سرطان الدم أثناء الطفولة.
  • مشاكل الغدة الدرقية.
  • الصرع.
  • التشوهات القلبية الخلقية.
  • ضعف البصر وبعض مشاكل العين الأخرى.
  • مشاكل في الورك، مثل الخلع.
  • الإمساك المزمن.
  • انقطاع النفس النومي.
  • تأخر نمو الأسنان.
  • السمنة.
  • الخرف.

ومن الجدير بالذكر أنّه على الرّغم من ارتفاع خطر إصابتهم بالأمراض السابق ذكرها، إلا أنّهم يبقون أقلّ عرضةً للإصابة من غيرهم بأمراض أخرى؛ مثل تصلّب الشرايين، واعتلال الشبكية الناجم عن السكري، ومعظم أنواع السرطان.

علاج متلازمة داون

لن تظهر على الأم أيّ أعراض دالة على إصابة الجنين بمتلازمة داون أثناء الحمل، لكن يبقى بوسع خبراء الصحة تحرّي إصابة الجنين بهذه المتلازمة أثناء الحمل، كما بوسعهم كذلك الاستدلال على إصابة الطفل بهذه المتلازمة عند ولادته عبر ملاحظة التعابير الوجهية المسطحة، وصغر حجم الرأس والأذنين، وقصر الرقبة، وضعف العضلات، وانتفاخ اللسان، وميل العينين، وفي الحقيقة يُمكن للطفل المصاب بمتلازمة داون أن يولد بوزن وحجم طبيعيين، لكنه سيُعاني من تأخر في نمو جسده الطبيعي مقارنة بالأطفال الآخرين، وقد يُعاني الطفل فيما بعد من بعض مشاكل عقلية واجتماعية؛ كضعف الانتباه، والسلوكيات الغريبة، وصعوبات التعلم، وللأسف توجد الكثير من الأمراض والمشاكل الصحية التي يُمكن أن تظهر عند المصابين بمتلازمة داون.

ولا يوجد علاج لمتلازمة داون، وهذا يعني أنّ على المصاب بها أن يتأقلّم معها طوال فترة حياته، لكن توجدُ العديد من الخدمات التي يمكن توفيرها لمساعدة الأطفال على تحسين قدراتهم البدنية والفكرية، وغالبًا ما تركّز هذه الخدمات على مساعدة الأطفال بتطوير كامل قدراتهم، وقد تتضمّن هذه الخدمات علاجات لغوية ومهنية وطبيعية، ويرى الخبراء أنّ الأطفال المصابين بهذه المتلازمة قد يحتاجون مزيدًا من الرّعاية في المدرسة، على الرّغم من وضعهم في الصّفوف العادية بين الطلاب الآخرين، ويبقى بوسع المصابين بهذه المتلازمة أخذ العلاجات الضرورية للتعامل مع المشاكل الصحية التي يُعانون منها عند الحاجة لذلك، ويرى الخبراء أن من الأنسب توفير الدعم والتعليم المناسبين للطفل المصاب بمتلازمة داون لإعانته على أخذ دورٍ مناسب له في المجتمع فيما بعد. ومن الجدير بالذكر أن أعمار المصابين بمتلازمة داون قد ازدادت كثيرًا خلال العقود الماضية؛ إذ كان من الصعب على المصابين بمتلازمة داون أن يعيشوا لعمر 10 سنوات في عام 1960، لكن حاليًا أصبح بوسع الكثير منهم العيش لـ 50-60 سنة.

السابق
أفضل التمارين لشد الذراعين
التالي
عبارات عن كيف نكون قدوة

اترك تعليقاً