اسلاميات

عدد المهاجرين الى الحبشة

الهجرة إلى الحبشة

عندما جاءت رسالة الإسلام وقف المشركون ضدها وحاربوها، حتى ضيَّقت قريش الخناق على المسلمين واضطهدتهم وأتعبتهم، فضاقت عليهم مكة بما رحبت، فأصبحت الحياة في ظل هذه الظروف جحيمًا، فأخذ المسلمون يبحثون عن مكان آمن يلتجؤون إليه، ويتخلصون به من ظلم المشركين واضطهادهم لهم، وفي ذلك الوقت الذي يعاني فيه المسلمون نزلت سورة الكهف، تلك السورة التي أخبرت بقصة الفتية الذين فرّوا بدينهم هربًا من ظلم مَلكِم، والتجأوا إلى كهف يحتمون به من قومهم، فكانت هذه القصة لتخفف عن المؤمنين محنتهم، ولترشدهم إلى الطريق الذي ينبغي عليهم أن يسلكوه للتخلص مما هم فيه، وانطلاقًا من هذه الرؤية القرآنية أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة إلى الحبشة.

وقد وصفت أم المؤمنين أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحدث فقالت: [لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء، والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعة من قومه وعمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله عليه وسلم إن بأرض الحبشة ملكًا لا يظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أرسالًا – أي جماعات – حتى اجتمعنا بها ، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمِنَّا على ديننا ولم نخش منه ظلمًا].

وقد قال الله تعالى {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[٢] قال قتادة رحمه الله: “المراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله تعالى دار الهجرة، وجعل لهم أنصارًا من المؤمنين”، ومن الأمور التي دفعت النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الصحابة بتلك الهجرة بالإضافة لشدة العذاب الذي لقوه من المشركين لكي يردوهم عن دينهم، كان نشر الدعوة الإسلامية خارج مكة المكرمة، وتأسيس قاعدة لحماية العقيدة.

عدد المهاجرين إلى الحبشة

هاجر من المسلمين 11 رجلًا و4 نساء، وهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ومعه زوجته سهلة بنت سهيل بن عمرو، وأبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ومعه زوجته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وعامر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي بن كعب ومعه زوجته ليلى بنت أبي حثمة، والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد، ومصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار، وعبدالرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبدالعزى العامري، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس، وسهيل بن بيضاء، وعبدالله بن مسعود حليف بني زهرة -رضي الله عنهم جميعًا-؛ إذ اجتمعت هذه الجماعة بمنطقة الشعيبة، ثم انطلقوا إلى ساحل البحر حيث استأجروا سفينتين تجاريتين حملتهما إلى الحبشة بنصف دينار، وقد حاولت قريش استرجاعهم من الطريق، ولكنهم كانوا قد أوغلوا في البحر، ولم يَعُدْ إلى اللحاق بهم من سبيلٍ.

بعد أن هاجر المسلمون إلى الحبشة بفترة قصيرة شاع في مكة أن قريشًا قد أسلمت، وعلم المسلمون الذين هاجروا لأرض الحبشة أن مكة أسلمت فرجعت منهم مجموعة، ومنهم عثمان بن مظعون، فلم يجدوا ما وصل إليهم من إسلام أهل مكة صحيحًا، فرجعوا إلى الحبشة وسار معهم جماعة من المسلمين، وهذا ما عرف بالهجرة الثانية، وقد ذكرت إحدى الروايات الصحيحة أن عددهم بلغ 82 رجلًا، وقيل أن عدد النسوة بلغ 18 امرأة.

محاولة قريش استعادة المهاجرين

بعد هجرة المسلمين خشيت قريش أن يُفْسِد المهاجرون العلاقة بينهم وبين النجاشي فيمنعهم من التجارة في بلاده، وأن يدعوا المسلمين أهل الحبشة إلى الإسلام فيجدوا منهم القبول، والجند الذي يعينهم على فتح مكة إذا نووا فتحها، وتيسر لهم الطريق لذلك، تمامًا كما فعل الأحباش مع مسيحيي اليمن عندما استعانوا بالحبشة من يهود حِمْير وملكهم يوسف ذي نواس. لذلك أرسلت قريش عمرو بن العاص ومجموعة من الرجال إلى النجاشي لاستعادة المسلمين، وعند وصولهم أمام الملك بدأ عمرو ورفاقه يرمون المسلمين بالاتهامات، لكي ينفّروا الملك وحاشيته منهم، واتهموهم بالإساءة لعيسى عليه السلام وأمه مريم، فقام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وحدَّث النجاشي عن الإسلام، وذكر له ما تعرض له هو ورفاقه من أذى قريش واضطهادها، وقرأ عليه من سورة مريم ما أثلج به صدره وهدَّأ نفسه، حتى قال: والله إن هذا وما جاء به عيسى لَيَخْرُجُ من مِشكاة واحدة، ورفض طلب وفد قريش وأعلمهم أن المسلمين سيلقون في بلاده الرعاية والحماية وأنهم سيتفيَّؤون ظلال الأمن والراحة ما داموا فيها، ويقول المؤرخون وكُتَّاب السِّيَر: أن النجاشي نفسه قد اعتنق الإسلام واعتنقه معه بعض حاشيته وبطارقته، وعند موته صلى عليه رسول الله والمسلمون صلاة الغائب.

المدة التي قضاها المهاجرون في الحبشة

كانت الهجرة إلى الحبشة لحماية الدعوة وما يؤكد ذلك هو الفترة التي قضاها المهاجرون في الحبشة، فقد مكث المهاجرون في الحبشة حوالي 15 سنة متتالية، إذ إنهم لم يرجعوا إلا بعد أن اطمأنُّوا أن خطر استئصال الدعوة قد زال، فقد هاجر المسلمون هجرتهم الأولى إلى الحبشة في شهر رجب في العام الخامس للبعثة، ثم عادوا بعدها سريعًا إلى مكة بعد ثلاثة شهور، ثم هاجروا مرة أخرى هجرتهم الثانية إلى الحبشة، وقد استقروا فيها مدة 12 عامًا كاملة، ولم يرجعوا للمسلمين إلا بعد غزوة خيبر. وقد مرت في هذه الفترة الطويلة أحداث بالغة الأهمية والخطورة على المسلمين، ومرت أحداث أثرت كثيرًا في بناء الأمة الإسلامية، وبالرغم من ذلك لم يرجع المهاجرون من الحبشة، ولم يكن ذلك اجتهادًا منهم، بل كان بأمر من قائد المسلمين في تلك الفترة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ مرت الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، وكان قد مر تأسيس الدولة الإسلامية، وكان بناؤها صعبًا جدًّا، وكان عدد المسلمين قليلًا آنذاك، وكان المهاجرون في الحبشة قد تجاوزوا الثمانين، إلا أن رسول الله لم يطلبهم، وبعد الهجرة مرت الغزوات العظام؛ غزوة بدر، ثم غزوة بني قينقاع، ثم غزوة أُحد، ثم غزوة بني النضير، ثم الأحزاب، ثم بني قريظة، ثم الحدث الكبير والهام في مسيرة الدولة الإسلامية وهو صلح الحديبية، ولم يطلب رسول الله المهاجرين بعد.

العبر المستفادة من الهجرة للحبشة

من العبر المستفادة من هجرة الصحابة للحبشة:

  • الصبر على الشدّة والبلاء في سبيل الله تعالى فقد لاقى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة المكرمة، من الشدّة والأذى ما يصعب على غيرهم تحمله.
  • ثبات المؤمنين على دينهم وعقيدتهم، وعدم الاستسلام لضغوط الأعداء.
  • شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ورحمته بهم؛ إذ أشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة ليخلصهم من أذى قريش.

 

السابق
لماذا سمي بعام الفيل
التالي
طريقة عمل وكالة شرعية

اترك تعليقاً