اسلاميات

فضل قيام الثلث الاخير من الليل

الثلث الأخير من الليل

في كل ليلة ينزل الله جل في علاه إلى السماء الدنيا فيجيب دعوة كل داعٍ بما دعاه، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بإثبات نزول الله إلى السماء الدنيا، في قوله عليه السلام: [ينزِلُ ربُّنا تبارَكَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا حينَ يبقى ثلثُ اللَّيلِ الآخرِ، فيقولُ: مَن يدعوني فأستجيبَ لَه؟ من يسألُني فأعطيَهُ؟ من يستغفِرُني فأغفرَ لَهُ]، وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات صفة النزول لله تعالى على الوجه الذي يليق به سبحانه؛ إذ لا يشابهه أحد من خلقه في أي صفة من صفاته، قال سبحانه وتعالى{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}وقال جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، ويُستحب على المسلم أن يقوم الثلث الأخير من الليل لما له من مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، وفي أي ساعة من الثلث الأخير من الليل إذا قام المسلم فإنه يُدرك هذه الفضيلة العظيمة بإذن الله، ويُبشر بالدعاء المستجاب، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

فضل قيام الثلث الأخير من الليل

الثلث الأخير من الليل وقت فاضل من الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء، لأنه وقت التَنزل؛ أي الوقت الذي ينزل فيه الله سبحانه جل وعلا إلى السماء الدنيا، وقد حثنا رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم على قيام الليل، وذلك في قوله عليه السلام: [من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل] ومعنى أنها مشهودة كما جاء في سنن أبي داود؛ أي أن الملائكة تشهدها وتكتب أجر المصلين، وتكتب أجرًا لكل شخص قام الليل سواء كان مصليًا أو مؤديًا للعبادات المختلفة، مثل قراءة القرآن، فقراءة القرآن أيضًا عبادة عظيمة وثوابها أعظم؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ].، وقال عليه السلام: [من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ { ألم } حرفٌ ولكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ]، ويستحب للمسلم الدعاء بعد الانتهاء من تلاوة القرآن وخصوصًا عند ختم القرآن الكريم؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [اقرؤوا القرآنَ ، و سلوا اللهَ به ، قبلَ أن يأتيَ قومٌ يقرؤون القرآنَ فيسألُون به الناسَ].

كيفية حساب الثلث الأخير من الليل

طريقة حساب الثلث الأخير من الليل سهلة جدًا، وهي أن يقسم المسلم ساعات الليل كاملة من وقت غروب الشمس إلى وقت طلوع الفجر إلى ثلاثة أقسام، آخر قسم هو الثلث الأخير من الليل؛ فإذا كان الليل على سبيل المثال تسع ساعات، فإن وقت النزول هو أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر، أما إذا كان الليل اثنتي عشرة ساعة مثلًا، فإن أول الثلث الأخير من الليل يكون أول الساعة التاسعة وحتى طلوع الفجر، وهكذا يحسب الثلث الأخير من الليل على حسب طول الليل وقصره في كل مكان، وإذا قام المصلي في أي ساعة خلال هذا الوقت وبدأ بالصلاة وقراءة القرآن والدعاء فإنه بإذن الله سوف يدرك هذه الفضيلة بفضل الله تعالى.

الأسباب المعينة على قيام الليل

توجد العديد من الأمور التي تُعين المسلم على قيام الليل، وتجعله محبًا ساعيًا للقيام وهي:

  • صدْق النيَّة عند المسلم والعزم على قيام الليل ومُجاهَدة النفس على ذلك: صدق النية عند المسلم مِن أعظم الأسباب المعينة على قيام الليل، لأن الله تعالى إذا علم من عبده الصدق والإصرار على العبادة، أعطاه فوق ما يُريد وفوق ما يطلب أضعافًا مضاعفة وهذا من كرم الله على عباده المخلصين، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}
  • النوم مبكرًا، والاخذ بأسباب الاستيقاظ: فقد روى عبدالله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا]
  • المواظبة على الوضوء قبل النوم، والمحافظة على أذكار النوم: روي عن البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: [إذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ علَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ وجْهِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأَ ولَا مَنْجَا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بكِتَابِكَ الذي أنْزَلْتَ، وبِنَبِيِّكَ الذي أرْسَلْتَ، فإنْ مُتَّ مِن لَيْلَتِكَ، فأنْتَ علَى الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَتَكَلَّمُ بهِ. قالَ: فَرَدَّدْتُهَا علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بكِتَابِكَ الذي أنْزَلْتَ، قُلتُ: ورَسولِكَ، قالَ: لَا، ونَبِيِّكَ الذي أرْسَلْتَ.]
  • ذكر الله دائمًا والانتباه لذلك: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مَن تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قديرٌ، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهمَّ اغفر لي، أو دعا، استُجيب له، فإن توضَّأ وصلى قُبلتْ صلاته.]
  • ذكر الله عز وجل عند الاستيقاظ: والاقتداء به صلى الله عليه وسلم في طريقة النوم؛ فقد [كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا أخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قالَ: اللَّهُمَّ باسْمِكَ أمُوتُ وأَحْيا فإذا اسْتَيْقَظَ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيانا بَعْدَ ما أماتَنا وإلَيْهِ النُّشُورُ].
  • معرفة فضل قيام الليل: لأن معرفة فضل قيام الليل يُعين المسلم على القيام، ويحثه على اللحاق بركب الصالحين وأولياء الله المتقين.

مَعْلومَة

يستطيع المسلم الدعاء بما يشاء عند قيام الثلث الأخير من الليل، لكن توجد بعض الأدعية التي كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يدعو الله بها، ومن أهم هذه الأدعية:

  • الدعاء الأول الذي ورد عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ]
  • الدعاء الثاني ورد عن أبي داود عن أَبِي أمامه، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: [قلتُ يا رسولَ اللَّهِ أيُّ اللَّيلِ أسمَعُ قالَ جوفُ اللَّيلِ الآخرُ فصلِّ ما شئتَ فإنَّ الصَّلاةَ مشْهودةٌ مَكتوبةٌ حتَّى تصلِّيَ الصُّبحَ ثمَّ أقصر حتَّى تطلعَ الشَّمسُ فترتفعَ قيسَ رمحٍ أو رمحينِ فإنَّها تطلعُ بينَ قرني شيطانٍ ويصلِّي لَها الْكفَّارُ ثمَّ صلِّ ما شئتَ فإنَّ الصَّلاةَ مشْهودَةٌ مَكتوبةٌ حتَّى يعدلَ الرُّمحُ ظلَّهُ ثمَّ أقصِر فإنَّ جَهنَّمَ تسجرُ وتفتحُ أبوابُها فإذا زاغتِ الشَّمسُ فصلِّ ما شئتَ فإنَّ الصَّلاةَ مشْهودةٌ حتَّى تصلِّيَ العصرَ ثمَّ أقصر حتَّى تغرُبَ الشَّمسُ فإنَّها تغربُ بينَ قرني شيطانٍ ويصلِّي لَها الْكفَّارُ].
السابق
فوائد قول الحمد لله
التالي
مظاهر التوازن والاعتدال

اترك تعليقاً