اسلاميات

كيفية بر الوالدين في حياتهما

بر الوالدين

إنّ بر الوالدين من أروع ما جاء به ديننا الحنيف؛ إذ إنّه أعظم البر، حتى لو استغرقت عمركَ كله لتحصيله، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانً}، وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}،. عظم الله تعالى بر الوالدين، وربط بين الإحسان إليهما وعبادته عز وجل، ويوجد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي حثت على بر الوالدين ودعت إليه، قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

كيفية بر الوالدين في حياتهما

إنكَّ لا شكَّ ترغب في الإحسان إلى والديكَ رغبة في إرضاء الله عز وجل، وإرضاء والديكَ في حياتهما، فيُمكنكَ ذلكَ بالإحسان إليهما، وتقديم الخدمة لهما، والمال أيضًا إذا كانا بحاجة إليه، والطاعة والسمع بالمعروف، ودفع الضر عنهما، قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}، حاول عزيزي الرجل أن تكون حريصًا على والديكَ، وأن تسعى إلى ما فيه خير لهما، وتحاول بقدر استطاعتك دفع الشر عنهما، لأنّهما قد أحسنا إليك إحساناً عظيماً في صغرك، وربياك وأكرماك وتعبا من أجلكَ، فيكون لزامًا أن ترد المعروف بالمعروف، والإحسان بالإحسان، وللأم مكانة خاصة في الدين الإسلامي، قيل [أنَّ رجُلًا جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحابَتِي؟ قال: أُمُّك. قال: ثُمَّ مَن؟ قال: أُمُّك. قال: ثُمَّ مَن؟ قال: أُمُّك. قال: ثُمَّ مَن؟ قال: أبوك، ثمَّ الأقرَبُ فالأقرَبُ]

فضل بر الوالدين

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: [يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ قالَ ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ قُلتُ نعَم قالَ ارجَع فبِرَّها ثمَّ أتيتُهُ منَ الجانبِ الآخَرِ فقلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرَةَ قالَ وَيحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ قلتُ نعَم يا رسولَ اللَّهِ قالَ فارجِع إليْها فبِرَّها ثمَّ أتيتُهُ من أمامِهِ فقُلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ قالَ ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ قُلتُ نعَم يا رَسولَ اللَّهِ قالَ ويحَكَ الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ]،.

نستدل بهذا الحديث الشريف أنَّ بر الأم أفضل من الجهاد في سبيل الله إذا كانت أمكّ لا تزال زالت على قيد الحياة، من أهم فضائل بر الوالدين بركة في العمر وسعة في الرزق. [٨] ويتمثل فضل بر الوالدين أيضًا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لما جائه رجل فقال له: [إني جئتُ أبايعك على الهجرةِ، ولقد تركت أبويَّ يبكيانِ ! قال : ارجعْ إليهما فأضحكْهما كما أبكيتَهما]،[٩] كان والديّ الرجل خائفان وحزينان على فراق ولدهما، أو لعدم رغبتهم في ذهابه للهجرة، فأمره الرسول أن يرجع إليهما ويدخل السرور إلى قلبيهما، وذلك دليل على أهمية بر الوالدين، وجعلها أولى من الهجرة في هذه الحالة.

أقوال السلف الصالح في بر الوالدين

إليك عزيزي القارئ أهم ما قاله السلف الصالح عن بر الوالدين:

  • روى البخاري في كتابه (في الأدب المفرد) عن ابن عباسٍ، قال: “لا أعلم عملًا أقربَ إلى الله عز وجل من برِّ الوالدة”.
  • روى البخاري في كتابه (في الأدب المفرد) عن طيسلة بن مياسٍ، قال: “قال لي ابن عمر: أتفرَقُ النارَ وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: إي والله، قال: أحيٌّ والدُك؟ قلت: عندي أمي، قال: فوالله لو ألَنْتَ لها الكلام، وأطعَمْتَها الطعام، لتدخلن الجنةَ ما اجتنبتَ الكبائر”
  • روى البخاري (في الأدب المفرد) عن هشام بن عروة، عن أبيه، أو غيره: “أن أبا هريرة أبصر رجلين، فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ فقال: أبي، فقال: لا تسمِّه باسمه، ولا تمشِ أمامه، ولا تجلِسْ قبله”.
  • روى عبد الرزاق عن الحسن البصري: “أنه سُئِل: ما برُّ الوالدين؟ قال: أن تبذُلَ لهما ما ملكتَ، وأن تطيعَهما فيما أمراك به، إلا أن تكون معصية”.
  • قال عبدالله بن عمر: “بكاء الوالدينِ من العقوق”.
  • قال لقمان الحكيم لابنه: “يا بني، مَن أرضى والديه فقد أرضى الرحمنَ، ومن أسخَطهما فقد أسخَط الرحمنَ”.
  • قال لقمان لابنه: “يا بني، إن الوالدينِ بابٌ من أبواب الجنة، إن رضيَا عنك مضيتَ إلى الجنة، وإن سخِطا حُجِبت”
  • روى عبدالرزاق عن طاوس بن كيسان قال: “مِن السنَّة أن يوقَّرَ أربعة: العالم، وذو الشَّيبة، والسلطان، والوالد، قال: ويقال: إن مِن الجفاء أن يدعوَ الرجلُ والدَه باسمِه”.
  • قال هشام بن حسان: قلتُ للحسن البصري: “إني أتعلَّم القرآنَ، وإن أمي تنتظرني بالعَشاء، فقال الحسن: تَعَشَّ العَشاءَ مع أمك تقر به عينها، أحب إليَّ من حجةٍ تحجها تطوعًا”.
  • لما ماتت أم إياس بن معاوية بكى، قيل له: “ما يبكيكَ؟ قال: كان لي بابانِ مفتوحان إلى الجنة، وغُلِّق أحدُهما”
  • قال وهب بن منبه: “البر بالوالد يثقِّل الميزان، والبر بالوالدة يشُدُّ الأصل، والذي يشُدُّ الأصل أفضل”
  • قال مكحول الشامي: “برُّ الوالدين كفَّارةٌ للكبائر”
  • قال سفيان بن عيينة: “مَن صلى الصلواتِ الخمسَ فقد شكر لله، ومن دعا لوالديه عقبها فقد شكر لهما”
  • قال مجاهدُ بن جبرٍ: “لا ينبغي للولد أن يدفع يدَ والده عنه إذا ضربه، قال: ومَن شد النظر إلى والديه فلم يَبَرَّهما، ومَن أدخل عليهما حزنًا فقد عَقَّهما”.
  • قال محمد بن محيريزٍ: “مَن مشى بين يدَيْ أبيه فقد عقَّه، إلا أن يمشي فيميط له الأذى عن طريقه، ومن دعا أباه باسمه أو بكنيته فقد عقَّه، إلا أن يقول: يا أبتِ”.

مَعْلُومَة

سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حق الوالدين بعد الوفاة، فقيل: [بينا نحن جلوسٌ عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ جاء رجلٌ من بني سلمةَ فقال يا رسولَ اللهِ هل بَقِي من بِرِّ أبوَيَّ شيءٌ أبرُّهما به بعد موتِهما قال نعم الصَّلاةُ عليهما والاستغفارُ لهما وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهما وصلةُ الرَّحِمِ الَّتي لا تُوصَلُ إلَّا بهما وإكرامُ صديقِهما]،.

في تفسيرٍ لهذا الحديث، أنّ صلاة الجنازة دعاءً لهما وترحم عليهما، وهي من أحق حقوقهما، ومن أفضل البر بعد موتهما، والاستغفار لهما، أيّ دعائكَ لهما بجزيل المغفرة من الله تعالى، وتنفيذ الوصية التي أوصوكَ بها قبل مماتهما، ووصلكَ أصدقائهما وأقاربهما

السابق
كيفية دفن الميت في الاسلام
التالي
عذاب القبر بسبب عدم الصلاة

اترك تعليقاً