اسلاميات

كيف تكون حياة البرزخ

البرزخ

هل خطر في بالك يومًا ماذا ينتظرنا بعد الموت؟ نعم إنها حياة البرزخ، لكن ماذا يعني البرزخ؟ إن البرزخ في اللغة هو الحاجز بين الشيئين، وكل مانع بين الشيئين يسمّى برزخًا، وأما حياة البرزخ في الاصطلاح تعني الحياة التي تلي موت الإنسان، وهي الفترة التي يقضيها الإنسان في القبر ما بين الحياة الدنيا والآخرة، وقال تعالى عن البرزخ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، فالحاجز ما بين الموت والبعث أو المدة بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى وقت البعث والنشور يسمى البرزخ، واتفق جميع العلماء المسلمين على أن كل إنسان يُسأل بعد موته سواء دفن أم لم يُدفن، وسواء أكلت جثته السباع، أو أحرقت، أو رُميت في البحر، فالسؤال في القبر لا بد منه، ولا بدّ أن يُجازى الإنسان على أعماله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. وعندما يدخل الإنسان إلى القبر فإن روحه تعود إلى جسده ويأتيه ملكان اسمهما منكر ونكير يسألانه عن ربه ودينه ونبيه؛ فالمسلم يجيب بحسب ما كان يعمل في الدنيا، والكافر لا يستطيع الإجابة على هذين السؤالين فيحق عليه العذاب الأليم، لذلك أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعاء للميت بالتثبيت عند وضعه في القبر لأنه يُسأل، وقد ثبت في الكثير من الأحاديث النبويّة والآيات القرآنية وجود نعيم في القبر، كما يوجد عذاب في القبر أيضًا، وحتى لو لم نكن نعرف ماهية وكيفية هذا العذاب أو النعيم فعلينا الإيمان بذلك إيمانًا قاطعًا ويمينًا جازمًا، وليس لنا السؤال عن كيفيته، فالقبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وهذا ما أخبرنا به الشرع الحنيف.

كيف تكون حياة البرزخ؟

الحياة البرزخيّة تبدأ بقبض الروح والذهاب بالجسد إلى القبر وأحواله والتي تتضمن ضمّة القبر، وسؤال الملكين للميت الذي يتحدد به مصيره ويفسح له في قبره بحسب إجابته، فإن كان من أهل الصلاح من المؤمنين في الدنيا يُفسح له في قبره ويتسع عليه ويرى مقعده من الجنة فيستبشر ويضحك على ما آتاه الله تعالى من نعيم وجنة لا تزول، وإن كان من أهل الكفر والإجحاد يضيق عليه قبره ويشتعل به حتى تتكسّر عظامه لشدّة ما يعانيه من ضيق وضغط شديد ثم يرى مقعده من النار ويزداد غمًا بغم وجزنًا بحزن على ما قدّمت يداه في حياته الدنيا، فيبقى المنَّعم مُنَعمًا إلى يوم القيامة، ويبقى المُعَذَّب معذبًا إلى يوم القيامة على ما اقترفت يداه في دنياه، وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من عذاب القبر وجحيمه، وهناك الكثير من الأحاديث التي تشرح وتبيّن لنا الحياة البرزخيّة وماهيتها، وأهمها حديث أنس بن مالك عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [العَبْدُ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ، وتُوُلِّيَ وذَهَبَ أصْحَابُهُ حتَّى إنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ، فأقْعَدَاهُ، فَيَقُولَانِ له: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ، فيُقَالُ: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أبْدَلَكَ اللَّهُ به مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَيَرَاهُما جَمِيعًا، وأَمَّا الكَافِرُ – أوِ المُنَافِقُ – فيَقولُ: لا أدْرِي، كُنْتُ أقُولُ ما يقولُ النَّاسُ، فيُقَالُ: لا دَرَيْتَ ولَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يَلِيهِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ]. وتختلف الحياة البرزخيّة عن الحياة الدنيويّة من عدّة وجوه، فالروح في الحياة البرزخية تتعلّق بالبدن تعلقًا خاصًا لا يشبه تعلقها فيه في الحياة الدنيا، وترد الرّوح للبدن في بعض الأوقات كوقت سؤال الملكين للميت، وتسليم المسلم على أخيه المسلم عند زيارته لقبره، فالحياة البرزخيّة لا تقتضي موت الميت موتًا تامًا وانقطاعه عن الدنيا، ولكن تعاد له روحه في بعض الأحوال، فالميت يعرف من يزوره من الأحياء ويستبشر بزيارتهم خيرًا فيما يقدم له من دعاء أو صدقة أو قراءة على روحه، ويبقى هناك الكثير من الغيبيات التي لا نعرفها عن حياة البررخ، وما علينا سوى الإيمان بما جاءتنا به الأحاديث النبوية والآيات الكريمة عن هذه الحياة والتسليم لهذه الحقائق تسليمًا تامًا لا يخالطه الشك أو الريبة.

الأشياء التي تنفع الميت في البرزخ

يوجد عدد من الأعمال التي يمكنك أن تقدمها للميت لينتفع بها عندما يكون في حياته البرزخية، وأهمها:

  • أعمال الخير التي أداها في حياته: فإذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا إذا كان له ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية عملها، أو علم ينتفع به، فكل هذه من اعمال البرّ التي أداها الميت في حياته.
  • الدعاء والاستغفار: ففقد أجمع العلماء بأن الدعاء من أفضل ما يصل للميت، وهكذا كان يفعل الرسول وصحابته عند موت شخص عندهم، كانوا يخلصون في الدعاء له، ويسألون له الرحمة والغفران.
  • الصّدقة: فالصدقة على الميت جائزة سواء كانت من ابن له أو شخص آخر، فالصدقة تكفّر عن الميت وتخفف من عذابه إذا كان يتعذّب.
  • الصّوم: فمن مات وعليه صيام وجب على أهله قضاء الصيام عنه لأنه بمثابة دين لله تعالى على العبد، ولا يسقط هذا الدّين إلا بقضائه.
  • الحج: فالحج من الأمور التي تصل للميت وتخفف عنه، خاصة إذا لم يسبق للميت الحج، فالحج عنه بمثابة حجه في حال حياته.
  • قراءة القرآن: اختلف العلماء في وصول القرآن للميت من عدم وصوله، فبينما قال بعضهم بأنه يصل لأنه من الأعمال الصالحة، قال آخرون أنه لا يصل لأنه لم يرد نص في الأحاديث أنه يصل وإنما ذُكِر وصول الدعاء فقط، وفي الواقع فإن الميت يصله كل خير من الحي في حال أهدي له، والقرآن جزءٌ من هذا الخير، وقد يصل بإذن الله تعالى للميت.

قد يُهِمُّكَ

قد تتساءل فيما إذا كان الميت في حياته البرزخيّة هل يشعر بالأحياء من أهله وأصدقائه؟ أم أنه بمجرد موته وخروج روحه فإنه لن يشعر أو يرى أو يسمع أي شيء من حوله؟ والجواب أنّ لقاء أرواح المؤمنين وتزاورهم وشعورهم بالأحياء هو أمر ثابت وموجود في الكثير من الأحاديث النبويّة الشريفة الصحيحة، فالميت عندما يموت وتصعد روحه تلقاه أرواح الأموات فتسأله عن حاله وأحوال أهله وأقاربه في الدنيا، فأعمال الأحياء تُعرض على الأموات ويسألون عنها، وما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة يدل على ذلك قال: [إنَّ المؤمنَ إذا قُبِضَ أتتْه ملائكةُ الرحمةِ بحريرةٍ بيضاءَ ، فيقولون اخرُجي إلى رَوْحِ اللهِ ، فتخرج كأطيبِ ريحِ المسكِ حتى إنه ليناولَه بعضُهم بعضًا ، فيشمّونه ، حتى يأتون به بابَ السماءِ ، فيقولون : ما هذه الريحُ الطَّيِبةُ التي جاءت من الأرض ؟ ولا يأتون سماءً إلا قالوا مثلَ ذلك ، حتى يأتون به أرواحَ المؤمنين ، فلَهُم أشدُّ فرحًا من أهل الغائبِ بغائبِهم ، فيقولون : ما فعل فلان ، فيقولون : دَعوه حتى يستريحَ ، فإنه كان في غمِّ الدنيا فيقول : قد مات ، أما أتاكم ؟ فيقولون : ذُهِبَ به إلى أمِّه الهاويةِ . وأما الكافرُ ، فتأتيه ملائكةُ العذابِ بمِسحٍ ، فيقولون : اخرُجي إلى غضبِ اللهِ ، فتخرج كأنتنِ ريحِ جيفةٍ ، فيُذْهَبَ به إلى بابِ الأرضِ]. وعند الموت تلتقي الأرواح حتى وإن كانت المقابر متباعدة عن بعضها البعض في الدنيا، وقد تفترق الأرواح على الرغم من تقارب المقابر، فقد يُدفن مؤمن بجانب كافر، فهذا في نعيم، وهذا في عذاب فلا يلتقيان، ولكن تختلف منازل الموتى عند الله تعالى فمن كانت منزلته أعلى فإنه ينزل إلى أسفل، ومن كانت منزلته أسفل لا يصعد إلى أعلى، فيجتمع الأموات كما كانوا يجتمعون في الدنيا ولكن مع اختلاف منازلهم، فأرواح الموتى تتلاقى وتتزاور في الحياة البرزخيّة، ولكن الأرواح المُنعّمة فقط، وأما الأرواح المعذبة في القبور فلا تلتقي، فالأرواح المُنعّمة غير محبوسة تتلاقى وتتزاور وتذكر ما يكون من أهل الدنيا وأحوالهم، وكل روح تكون مع رفيقها الذي هو بمثل عملها.

السابق
عجائب مخلوقات الله في الكون
التالي
كم عدد أسماء الله

اترك تعليقاً