اسلاميات

هل يجوز زواج المسلم من اهل الكتاب

الزواج في الإسلام وحكمه

شرّع الإسلام النكاح وشجع إليه ورغب فيه، فقد قال تعالى: [وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]، ومدح المؤمنين الذين يدعونه بذلك فقال: [وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا]، كما شجّع النبي صلى الله عليه وسلم وحثّ الشباب على الزواج، فعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء]، أما حكم الزواج فإنه يكون واجبًا على القادر على النفقة والوطء وتطلب نفسه ذلك ويخاف أن يقع في الزنا، فيكون الزواج واجبًا في هذه الحالة؛ لأن صيانة النفس وإعفافها عن الحرام واجب، وصيانة النفس لا تكون إلا بالزواج، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد يكون الزواج سنةً مؤكدةً لمن كان قادرًا عليه ولكنه يأمن على نفسه الوقوع في الحرام، ويكون الزواج حرامًا للعاجز عن آداء حقوق الزوجية وهي الوطء والنفقة، قال الإمام الطبري: إذا علم الزوج أنه عاجز عن نفقة زوجته، أو مهرها أو شيء من حقوقها الواجبة عليه فلا يحل له أن يتزوجها إلا إن هو أعلمها وقبلت هي بذلك، أو أن يصبح قادرًا على آداء حقوقها، ويُكره الزواج لمن يخل في حقّ الزوجة بالوطء والإنفاق، إذ لا يقع ضرر للمرأة كأن تكون غنيةً وليس لديها رغبة قوية في الوطء، ويكون مباحًا إذا لم توجد دواعٍ أو موانعٍ للزواج، ومن السنة أن يختار الرجل المرأة ذات الدين والعفاف والأصل الطيب، أما المرأة فتختار الزوج صاحب الدين والخلق الحسن.

حكم زواج المسلم من أهل الكتاب

يعد الزواج من الكتابيَّة مباحًا بشرط أن تكون مُحْصَنةً وعفيفةً، لقوله تعالى: [الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ]. والمُحْصَنةُ بمعنى الطاهرة الشريفة الَّتِي لم يُدَنَّس عِرْضُها، وهذا قول جمهور العلماء، والواضح من الآية أنَّ المقصود بالمحصنات أيّ العفيفات عن الزِّنا؛ إذ قال تعالى في آية أخرى: [مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ]، كما قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: أنه لا يوجد بين أهْلِ العلم اختلافٌ في حلٍّ الزواج من حرائرِ النِساء الكتابيات، وقد روي ذلك عن عدد من الصحابة مثل؛ عمر، وعثمان، وطلحة، وحُذيفة، وسَلمان، وجابر، وغيرهم، كما قال ابنُ المنذر: أنَّ حُذيفة وطلحةَ والجارود بن المعلَّى وأُذينة العبديَّ قد تزوَّجوا نساءً من أهل الكتاب، ولكن إن كانت المرأة غيْرَ مُحصنةٍ غير عفيفة فلا يجوز الزواج منها.

حكم زواج المسلمة من أهل الكتاب

يحرّم على المرأة المسلمة الزواج من رجل غير مسلم؛ لأن الزوج له القوامة على زوجته، وتقع قيادة الأسرة على عاتق الزوج، ويمكنها أن تدفعه لإجبار زوجته على ترك دينها واتباع دينه، وإن لم يجبرها فقد يؤثر عليها تدريجًا لتترك دينها، وهذا ما لا يقبله الإسلام، كما أن الأبناء غالبًا ما يتبعون والدهم في دينه، وهذه جناية عظيمة على الأبناء أن يكبروا دون الاهتداء إلى دين الله الخاتم، وقد ذكر الله تعالي الحكمة العظيمة في سياق تحريم زواج المسلمات من غير المسلمين، إذ إنه قال:[وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ]، ومن ناحية أخرى فإن الكتابية عندما تتزوج بمسلم، تتزوج برجل يؤمن بنبيها وبجميع أنبياء الله، ولا يكون مسلمًا إن لم يؤمن بهم، ولا يحل له أن يفرِّق بين أحد من الأنبياء، قال تعالى: [آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ]، ولكن الكتابي يهوديًا كان أو نصرانيًا لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء، ويجب التنويه إلى أن الحكم لم يتفرد به الدين الإسلامي، بل هو ليس غريبًا على الأديان الأخرى، فلماذا يلجأ الطاعنون بالإسلام إلى الاستهجان من منع الإسلام من تزويج المسلمات بغير المسلمين وهم بينهم لا يزوجون بعضهم بعضًا وهم أهل ديانة واحدة، فمثلًا لا يستطيع الكاثوليكي أن يتزوج من امرأة بروتستانتية، وإن فعل عوقب من قبل الكنيسة، والعكس صحيح، وأيضًا في قانون الأقباط الأرثوذكس المصري فإن اختلاف الدين يعد مانعًا من الزواج عندهم.

فوائد الزواج

لعل الزواج قد ظهر منذ فجر التاريخ؛ وذلك لشدة الحاجة إليه بسبب انجذاب الرجل والمرأة لبعضهما وتحرك غرائزهما الموضوعة فيهما، فكان الزواج السبيل الوحيد أمام بني البشر لتنظيم عملية ممارسة الغرائز، ولتكون ضمن إطار واضح، وقد نتج عنه فوائد عديدة، وفيما يأتي ذكرها:

  • قدرة البشر على مواصلة التكاثر بطرق شرعية.
  • حفظ المجتمع من تفشي الزنا، وذلك بإيجاد علاقة شرعية منظمة.
  • تحفظ الأنساب من خلال الزواج ويعرف كلّ إنسان أصله وفصله.
  • يعد الزواج سبيلًا للتعاون، إذ تُدبر الزوجة أمور المنزل، وتهيء للزوج أسباب المعيشة، ويوفر الزوج لها المال، ويدبر شؤون الحياة.
  • يُقوي الزواج العلاقات من خلال المصاهرة، وبه تتسع دائرة الأقارب.
  • يعد الزواج السبيل الوحيد لإشباع الرغبة الجنسية دون ارتكاب معصية للخالق.

شروط عقد الزواج

لعقد الزواج شروط لا يصح الزواج إلا بها، وفيما يأتي ذكرها:

  • التراضي‏:‏ يجب أن يكون عقد الزواج اختياريًا ولا يجوز فيه الإكراه مطلقًا؛ لأنه يتعلق بحياة الزوجين ومستقبلهما وأولادهما، ولذلك فلا يجوز أن يكون أحد طرفي العقد مكرهًا.‏
  • الولي‏: إن ولاية المرأة بنفسها في عقد الزواج مستنكرة فطرةً وذوقًا، وقد يكون سببًا للفساد والزنا باسم الزواج، ولذلك اشترط وجود وليًا للمرأة‏ مثل أبيها أو أخيها‏.
  • الشاهدان‏: يجب أن يشهد على عقد الزواج شاهدان عدلان؛ لأن وجود الشهود مدعاة لحفظ الحقوق عند كل من الزوجين.
  • المهر أو الصداق:‏ يجب أن يقدم الرجل للمرأة مهرًا‏،‏ فالصداق هدية للمرأة وتطييب لخاطرها، وبالتالي فهو ملك لها، ولكن يجوز لها أن تتنازل عنه كله أو عن جزء منه لزوجها.
  • الإحصان‏:‏ اشترط الله جل وعلا على المسلم أن لا ‏يتزوج‏‏ إلا العفيفة المسلمة، والعفيفة الكتابية.

 

السابق
كم عدد أسماء الله
التالي
أول مسجد بني في الأرض

اترك تعليقاً