الصحة النفسية

تأثير الكحول على الدماغ

تأثير الكحول على الدماغ

 

الكحول

تُصنع المشروبات الكحولية من السكر والخميرة، ويرجع سبب تنوع المشروبات الكحولية إلى تنوع أنواع السكر التي تدخل في تصنيع هذه المشروبات؛ ففي حال جرى الاستعانة بسكر العنب، فإن المشروب الناتج هو النبيذ الأحمر أو الأبيض، لكن في حال الاستعانة بسكر الشعير فإن المشروب الناتج سيكون البيرة، وعلى العموم يرجع سرّ مفعول الكحول المُسكر إلى حقيقة احتوائه على مركب الإيثانول الذي ينشأ عبر عملية تخمير الخميرة وتحطيم السكر إلى ثاني أكسيد الكربون والكحول، وبغض النظر عن أنواع الكحول الكثيرة، فإن الحقيقة تبقى أن هذه المشروبات -في مجملها- هي خطيرة ومؤذية لصحة الإنسان، بل إن الجهات الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية باتت تتحدث عن كون الكحول هو العقار أو المادة التي يسوء استخدامها بين الناس بنسبة تفوق بقية أنواع العقاقير الأخرى، بما في ذلك الماريجوانا، ومن المعروف أن السطات الأمريكية قد حاولت منع بيع الكحوليات في الماضي، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، وأصبح الكحول جزءًا طبيعيًا من الحياة الأمريكية، وهذا بالطبع أدى إلى زيادة في عدد حالات الإدمان على الكحوليات، مما دفع بالكثيرين إلى دق ناقوس الخطر وتنظيم الحملات التوعوية للتنبيه إلى خطر الكحوليات، خاصة فيما يتعلق بالدماغ والقدرات الإدراكية، وهذا سيكون موضوع الأسطر التالية.

تأثير الكحول على الدماغ

تبدأ جزئيات الكحول في التوافد على الدماغ بعد 30 ثانية من الرشفة الأولى، ثم شيئًا فشيئًا تبطئ هذه الجزئيات المواد الكيميائية والرسائل العصبية الخاصة بتواصل الخلايا العصبية، وهذا بالطبع سيؤثر على التركيز والتفكير والاستجابات العصبية الطبيعية، وعادةً ما يسعى الكبد إلى تحطيم الكحول وطرده من الجسم، لكن الكبد يفقد جزءًا من قدرته على تنقية الدم من الكحوليات عند شرب الكثير من هذه المشروبات، وهذا سينعكس مباشرة على عمل الدماغ، وقد صنف الخبراء آثار الكحول على الدماغ إلى آثارٍ قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى، وبالإمكان شرح هذه الآثار بمزيدٍ من التفصيل على النحو الآتي:

آثار قصيرة المدى

يتمكن الكحول من إحداث اختلالاتٍ في وظائف الدماغ مباشرة بعد وصوله إلى مجرى الدم، وعادةً ما يُعاني الفرد من ظهور أعراض ومشاكل عصبية مؤقتة حتى عند استهلاكه لكمية متوسطة من الكحوليات، ومن بين هذه الأعراض أو الآثار ما يلي:

  • فقدان السيطرة على النفس أو فقدان المقدرة على إعطاء الأحكام الرشيدة.
  • انخفاض قدرات التخطيط والتنظيم.
  • حدوث تغيرات في المزاج والتركيز.
  • فقدان المقدرة على تكوين الذكريات الجديدة أو فقدان الذاكرة.
  • تغير مستوى الطاقة في الجسم.
  • انخفاض القدرة في التحكم بالحركة.
  • الشعور بالنعاس.
  • ظهور أعراض خطرة أخرى في حال الإكثار من تناول الكحوليات إلى درجة الإصابة بالتسمم الكحولي، ومن بين هذه الأعراض –مثلًا-التقيؤ، والنوبات الصرعية، وانخفاض حرارة الجسم، وربما حدوث تلف دائم في الدماغ.

آثار بعيدة المدى

يُمكن لإدمان الكحوليات أن يؤدي إلى حدوث تلف دائم في الدماغ على المدى البعيد وربما ظهور أمراض ومشاكل أخرى، منها الآتي:

  • متلازمة فرنيكه وكورساكوف: يؤدي الإدمان على الكحول لفترات طويلة إلى عرقلة امتصاص الجسم لفيتامين ب1 أو الثيامين، وهذا يؤدي إلى الإصابة بمتلازمة فرنيكه وكورساكوف، التي تحدث أيضًا بسبب أمراض أخرى؛ كالسرطان والإيدز، وتمر هذه المتلازمة بمرحلتين رئيسيتين؛ المرحلة الأولى تُدعى بالاعتلال الدماغي الفيرنيكي الذي يؤدي إلى ظهور أعراض كثيرة؛ كالارتباك، وسوء التغذية، وصعوبة تحريك العينين، ومشاكل في التوازن، أما المرحلة الثانية فتُدعى بمتلازمة كورساكوف التي تنتمي أصلًا إلى فئة أنواع الخرف، وتتضمن بعض أعراضها-مثلًا- حصول مشاكل في الذاكرة، والهلوسات، وتراجع القدرات المعرفية، وغيرها الكثير من الأعراض العصبية السيئة.
  • ضمور الدماغ: يتسبب الكحول في حصور ضمور أو انكماش في الدماغ ليس عند المدمنين على الكحول فحسب، وإنما عند الأفراد الذين يستهلكون الكحول بكميات متوسطة أيضًا وفقًا لإحدى الدراسات التي أجريت عام 2017، ومن المثير للاهتمام أن ضمور الدماغ الناجم عن الكحول يحدث تحديدًا في منطقة دماغية تُدعى بالحصين، التي تشتهر بكونها المسؤولة عن الذاكرة والتفكير المنطقي، وللأسف فإن للكحول مقدرة كذلك على تثبيط عملية انتاج الجسم لخلايا الدماغ الجديدة أيضًا.
  • متلازمة الكحول الجنينية: تحدث هذه المتلازمة عند تعريض الجنين للكحوليات أثناء فترة تواجده في رحم أمه، وتحمل هذه المتلازمة الكثير من الأعراض الدماغية السيئة، بل وقد تؤدي إلى حدوث تلف في الدماغ أيضًا، ومن بين أعراض هذه المتلازمة-مثلًا- إصابة الطفل بالإعاقات الذهنية، وفرط نشاط الحركة، وضعف الذاكرة، ومشاكل التركيز، والمشاكل البصرية والسمعية.
  • إصابات الرأس: يُعد تناول الكحول أحد العوامل المؤدية إلى الإصابات الدماغية المباشرة التي قد تنشأ عن السقوط، أو حوادث السيارات، أو النزاعات العنيفة، وقد أشارت أحد التحليلات العلمية عام 2010 إلى اقتران الكحول مع 35-81% من حالات إصابات الرأس المباشرة، وقد تؤدي إصابات الرأس المباشرة إلى الشعور بالارتباك وتورم الدماغ على المدى القصير، كما قد تؤدي إلى أعراض سيئة على المدى البعيد؛ كظهور أعراض الخرف، والتغيرات السلوكية والمزاجية، وزيادة خطر الإصابة بالزهايمر، وتغيرات في التروية الدموية للدماغ أيضًا.

علاج آثار الكحول على الدماغ

ينفي الباحثون وجود علاجاتٍ طبية للتعافي تمامًا من التلف الدماغي الناجم عن الكحوليات، لكن قد يكون بوسع الأطباء إعطاء مكملات الثيامين وبعض الفيتامينات الأخرى لهدف تعزيز الوظائف الدماغية عند الأفراد الذين يُعانون من متلازمة فرنيكه وكورساكوف، أما بالنسبة للخرف ومشاكل الكبد الناجمة عن الكحول ومتلازمة الكحول الجنينية، فإن من الأفضل الكشف عن وجود هذه الأمراض مبكرًا وحث الأفراد الذين يُعانون من هذه المشاكل على اتباع العادات الحياتية المناسبة وترك الكحوليات، وفي حال كان ترك الكحوليات أمرًا صعبًا، فإن بوسع الأطباء وصف أدوية لعلاج الإدمان على الكحوليات في حال كان ذلك ضروريًا لتخفيف حدة الأعراض الانسحابية الناجمة عن ترك الكحول.

مشاكل أخرى للكحول

لا يؤثر الكحول على الدماغ فحسب، وإنما تصل آثاره السيئة إلى أعضاء حيوية أخرى من الجسم، مثل:

  • القلب: يجهل الكثير من مدمني الكحوليات أن للكحوليات آثارًا سيئة على القلب؛ إذ قد يؤدي الكحول إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم، واعتلال عضلة القلب، وعدم انتظام نبضات القلب.
  • الكبد: ينعكس الكحول سلبًا على الكبد وقد يتسبب في حدوث تشمع وتليف في الكبد، أو تراكم للدهون في الكبد إلى درجة التسبب في ظهور مرض الكبد الدهني.
  • البنكرياس: يُصبح البنكرياس مضطرًا إلى إنتاج مواد سامة بسبب تواجد الكحول في الجسم، وهذا قد يؤدي على الإصابة بالتهاب البنكرياس، الذي ينعكس سلبًا على العملية الهضمية.
  • الجهاز المناعي: يُصاب الجهاز المناعي بالضعف بسبب الكحول، وهذا يجعل الجسم عرضة أكثر للإصابة بالأمراض.

وفي النهاية، يجب عدم تجاهل المشاكل الاجتماعية المرتبطة باستهلاك الكحوليات على المدى البعيد؛ فمن المعروف أنه توجد علاقة بين الكحوليات وبين انتشار العنف، والنزاعات الفردية، والجرائم المروعة، ومشاكل التفكك الأسري، فضلًا عن الانتحار أو إيذاء النفس، وقد أشارت منظمة الصحة العالمية عام 2012 إلى أن الكحول مسؤول عن 6% من مجموع الوفيات في العالم.

السابق
الإفراط في الطعام يضعف أي حواس
التالي
الجهاز التنفسي عند الإنسان

اترك تعليقاً