اسلاميات

كيف تكون الحياة في الجنة

الحياة في الجنّة

الحياة في الجنة لا تُقاس أبدًا بالحياة في الدنيا، فالفرق بينهما متباين وكبير، ولا يدخل أهل الجنة لها إلا بعد أن يُنقيهم الله تعالى ويُهذبهم وينزع ما في صدورهم من غلٍّ وحقدٍ وحسد، فإذا دخل المؤمنون إلى الجنة فلا وجود لشيء من منغصات وهموم الحياة التي كانت تعتريهم في الحياة الدنيا، ولا مجال لكدر العيش ولا تنغيصه، ولا وجود لأي أسباب تقتضي ما كانت تقتضيه في الدنيا من الغيرة والحقد وغيرها، فالجنة دار نعيم وجزاء وليست بدار تكليف وابتلاء، وليس فيها تكليف بطاعة أحد أو إلزام بأي فعل، وإنما فيها نعيم لا ينقطع، يتقلّب فيه أهلها بُكرة وعشيّة، ولا يحتاج فيها أحد إلى خدمة من زوجته أو ابنته أو ابنه؛ لأن الله تعالى قد مَنّ على أهل الجنة بغلمان مخلدين يخدمونهم ويطيعونهم ويلبون أوامرهم، ولا يوجد في الجنة أي مهام معيشيّة من التنظيف والطبخ والخبز وغيرها، فإذا دخل أهل الجنة جنتهم فلا تعب ولا نَصَب ولا خوف ولا حزن، إنما نعيم مقيم لا ينقطع ولا يزول.فالجنة هي الجزاء والثواب العظيم والدار الأبديّة التي أعدها الله تعالى لأوليائه وأهل طاعته، فهي عالية ودرجاتها عالية، وأعلى درجات الجنة هي الفردوس، ففي الحديث الشريف عن عبادة بن الصامت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال:[ الجنَّةُ مِئةُ دَرَجةٍ، ما بيْنَ كلِّ دَرَجتَينِ منهما كما بيْنَ السَّماءِ والأرضِ، الفِردَوسُ أعلاها دَرَجةً، ومنها تَفجَّرُ أنهارُ الجنَّةِ الأربعةُ، ومِن فوقِها يَكونُ العَرشُ، وإذا سَأَلتُم اللهَ فاسأَلوه الفِردَوسَ]، وأعلى أهل الجنة منزلة هم الذين غرس الله تعالى كرامتهم بيده وختم عليها، فلم ترَ مثلها عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرت على بال بشر، أما أدناها منزلة فهم مَن يُعطَى مثل ملك من ملوك الدنيا عشر مرات، وتتفاوت منزلة أهل الجنة بحسب إيمان أهلها وإخلاصهم وأعمالهم الصالحة.

كيف تكون الحياة في الجنّة؟

في الجنة قصورٌ مبنيّة من الذهب والفضة تسر الناظرين، وتراب الجنة من المسك والزعفران، ولها رائحة زكيّة فواحة تنتشر في الأرجاء، وهذه الرائحة يستطيع المؤمن أن يشمّها عن بعد مسافات شاسعة، ففي بعض الأحاديث أن المؤمن يشم ريحها من مسيرة أربعين، وبعض الأحاديث قالت من مسير سبعين سنة، وفي الجنة الحدائق والأعناب والنخيل والرمان والسدر المنضود وغيرها من أشكال وألوان الأشجار، وثمر هذا الشجر لا ينقطع بل أكلها دائم ولا ينفد على مرّ الفصول، ومن أشجار الجنة شجرة يسير الراكب السريع مائة عام ولا يقطعها، وسيقان أشجارها من الذهب، وفيها ما تشتهيه الأنفس من أنواع المأكل والمشرب وأنواع الطيور والدّواب، وأنهار الجنة كثيرة ومتنوعة ففيها أنهار من لبن وأنهار من عسل وأنهار من خمر، وفي الجنّة عيون عذبة منها عين الكافور، وعين تسنيم، وعين السلسبيل، وفضلات الأكل والشرب في الجنة عبارة عن مسك، فإذًا كيف يكون طعامها؟ وأهل الجنة لا يتبولون ولا يتغوطون، فقد ورد في الحديث الشريف عن جابر بن عبدالله عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فيها ويَشْرَبُونَ، ولا يَتْفُلُونَ ولا يَبُولونَ ولا يَتَغَوَّطُونَ ولا يَمْتَخِطُونَ قالوا: فَما بالُ الطَّعامِ؟ قالَ: جُشاءٌ ورَشْحٌ كَرَشْحِ المِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ والتَّحْمِيدَ، كما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ. وفي رواية : بهذا الإسْنادِ إلى قَوْلِهِ: كَرَشْحِ المِسْكِ]، ولأهل الجنة زوجات غاية في الجمال، منهن نساء الدنيا، ومنهن الحور العين، إذ يُعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل، وجمال أهل الجنة يفوق الوصف والخيال، وفيها سوق يتمتع أهل الجنة فيها يوم الجمعة، ويعودون منه بجمال أشد من جمالهم الأولي، ولباس أهل الجنة من الأقمشة الناعمة الحريريّة من السندس والإستبرق والحلي الثمينة من الذهب والفضة واللؤللؤ، وأوانيهم من الذهب والفضة، وثيابهم وحليهم لا تَبلى ولا تَفنى، فكل ما في الجنة نعيم عظيم لا يَمَلُ أهلها منه، وأحب شيء لأهل الجنة النظر إلى وجه الله الكريم، ومن دخل الجنة لا يخرج منها بل يُخلّد فيها إلى أبد الآبدين.

مَن يدخل الجنّة؟

اختصر الرسول صلى الله عليه وسلم أمر دخول الجنة في حديث شريف مختصر يوضح ذلك، ففي الحديث الشريف عن جابر بن عبدالله عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، ما المُوجِبَتانِ؟ فقالَ: مَن ماتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن ماتَ يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ]، والمقصود بالموجبتين فمعناه الخصلة الموجبة لدخول الجنة، والخصلة الموجبة لدخول النار، فقد بيّن الحديث أن الذي يوجب للعبد أن يدخل الجنة هو موته على توحيد الله عز وجل، والأمر الذي يوجب الخلود في النار هو موته على الشرك، فلا يخرج من النار إلا من مات على التوحيد سواء شهد بلسانه أو كان في قلبه شيء من الإيمان، أما مَن وقع في الشرك الأكبر كاليهود والنصارى والبوذيين وغيرهم من أصناف الكفار، أو كان مسلمًا وارتد عن الدين الإسلامي فهو مخلد في النار، والمنافقين الذين يظهرون في الدنيا أنهم من المؤمنين في حين أنهم يخفون الكفر عن الناس فمصيرهم الدرك الأسفل من النار، أما من وقع في النفاق الأصغر كالكذب، والخيانة، أو الغدر، أو الرياء أو الحلف بغير الله تعالى، فهذا لا يكفر ولا يخرج عن ملة الإسلام ولا يُخلّد في جهنم، وأمره إلى الله تعالى إما أن يعذّبه بذنبه ثم يدخله الجنة، وإما أن يَمُنَ عليه بداية ويدخله الجنة ويعفو عن ذنبه.

مَعْلُوْمة

يرى الأهل والعائلات بعضهم بعضًا في الجنة، فلقاء الأبناء والآباء والأمهات والزوجات ثابت في النصوص الشرعيّة والآيات القرآنية الكريمة، وهذا من فضل الله تعالى ومنّه على الإنسان وإكرامه له في الدنيا والآخرة، وقد وعد الله تعالى بهذا وأخبرنا بهذا الوعد في الدنيا لتأنس قلوبنا به، ولنشمّر عن سواعدنا للعمل الصالح حتى لا تكون الدنيا هي آخر لقاء لنا بأهلنا وأحبابنا وعائلاتنا، بل هناك لقاء أجمل وأعلى وأجل من لقاءات الدنيا، يقول الله سبحانه عن ذلك: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}، أما عن عاطفتهم ومشاعرهم تجاه بعضهم البعض فلا شك أنها ستتغير للأفضل والأكمل، فلا غل، ولا حسد، ولا حقد، ولا كره، ولا ضغائن في النفوس أو غيرة من أي أحد في الجنة، فالجنة دار الكمال ودار المتعة والطمأنينة والخلود الدائم البعيد كل البعد عن أي نقص أو خلل.

السابق
أسماء الله الحسنى ومعانيها وأثرها
التالي
خصائص الدين الاسلامي

اترك تعليقاً