القرآن الكريم

سبب تسمية سورة العنكبوت

سورة العنكبوت

سورة العنكبوت هي سورة مكيّة، وتتحدث في آياتها عن الفتن وسنّن الابتلاء في الحياة الدنيا، ونزلت هذه السورة في أشد أوقات البلاء والمجن على المسلمين عندما كانوا يتعرضون لأنواع وأصناف متعددة من الأذى والمحن، ومن هنا يتبين لنا أن الإنسان بمختلف صفاته وعرقه وجنسه ودينه مُعرّض لمجموعة من الابتلاءات والفتن في الدين والمال والدنيا والولد والقوة والشهوة والصحة والأهل وغيرهم، وكل ذلك ما هو إلا تدبير من الله سبحانه وتعالى ليميّز الناس بالعمل وصدق العبادة وصدق الإيمان وما إلى ذلك.

تبدأ سورة العنكبوت بالتحدّث عن فريق من الناس يظنون أن الإيمان مجرد كلمة يقولها العبد باللسان، ثم إذا نزلت بهم محنة أو شدّة انتكسوا إلى ضلالٍ وارتدوا عن دين الإسلام تخلصًا من عذاب الدنيا الشديد بنظرهم، وكأن عذاب الآخرة أهون وإنما هو أشد بالتأكيد، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، كذلك قال الله تعالى في آخر آيةٍ من هذه السورة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[، وتتحدث هذه الآية عن مجموعةٍ من الفتن، وفيها تصوير وإشارة إلى أن الفتنَ مستمرة ملازمة لحياة الناس.

سبب تسمية سورة العنكبوت

سميت سورة العنكبوت بهذا الاسم نسبةً لحشرة العنكبوت، وجاء الحديث في هذه السورة عن العنكبوت عندما ضرب الله بهذه الحشرة مثلًا للأصنام والآلهة االتي يعبدها الكافرون من دون الله؛ فقد شبهت الآية الكريمة آلهة الكافرين بالعنكبوت الذي يبني بيتًا لا يقيه من الحر والبرد ولا ينفعه في أي شيء، وهو الحال ذاته عند الحديث عن الأصنام؛ فهي لا تضر ولا تنفع، وقد خص الله تعالى العنكبوت وبيته بالذكر في هذا المثال لأن بيت العنكبوت من أضعف الأبنية، وكذلك الحال لأصنامهم، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}.

أخَذت السورة الكريمة اسم العنكبوت كاسم لها للفت الانتباه إلى أهمية ضرب الأمثال ومدى عمقها؛ بهدف تقريب المعاني وتوضيح الصور المرجو فهمها، بالإضافة إلى لفت ذوي الألباب والعقول إلى هذه الحشرة، ليتفكر الإنسان بعظمة الله الخالق الذي أرشد العنكبوت إلى صنع هذا البيت بهذا الشكل الدقيق والمميز.

سبب نزول سورة العنكبوت

وردت مجموعة من الأقوال في أسباب نزول سورة العنكبوت، وقيل في قوله تعالى : {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}ما يلي:

  • قال الشعبي: نزلت سورة العنكبوت في أناسٍ تواجدوا في مكة المكرمة، وكانوا قد أقروا بالإسلام، ثم كتب إليهم جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة (يثرب) أن لن يُقبل منكم لا إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا، فخرج هؤلاء الجماعة قاصدين الهجرة إلى المدينة المنورة، فتبعهم جمع من المشركين فألحقوا بهم الأذى، فنزلت فيهم آية من هذه السورة، فكتب أصحاب رسول الله إليهم أن قد نزلت بكم آية كذا وكذا، فقالوا: نخرج للمدينة فإن تبعنا أحد نقاتله، فخرجوا، ثم تبعهم المشركون، ثم قاتلوهم فمنهم من قُتل ومنهم من نجا، ثم أنزل الله تعالى فيهم: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا}.
  • قال مُقاتل: نزلت سورة العنكبوت في مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان أول شهيدٍ من المسلمين يوم غزوة بدرٍ، وكان قد رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فأصابه فقتله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يُدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة، وكنان قد جزع على وفاته والديه وامرأته، فأنزل الله تعالى في هذه السورة وأخبر أن لابد من البلاء والمشقّة من الله تعالى.

مقاصد سورة العنكبوت

حثّت سورة العنكبوت عمومًا على الاجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها الدعوة إلى الله تعالى وحده وعدم الانحياز إلى غيره سبحانه وتعالى، وقد أظهرت ضعف الكافرين وقوة المؤمنين، ولسورة العنكبوت مقاصد ثلاثة، نوضحها فيما يلي:

  • أظهرت السورَة كيف يكون الإيمان الحقيقي، وشرحت سنّة الابتلاء والفتنة في الكون، كما أنها بيّنت مصير المؤمنين والكافرين والمنافقين.
  • عَرَضت سورة العنكبوت قصص الأنبياء السابقين، وقد تحدثت آياتها عن الفتن والعقَبات التي ظَهرت في طريق الدعوة والدعاة؛ وفي هذه القصص تثبيت للمؤمنين الذين فتنهم المشركون، وحالوا بينهم وبين الإسلام والهجرة.
  • جاء في السورة الكريمة النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلّا بالتي هي أحسن، وبيّنت السورة أنّ الدين كله واحد، بالإضافة إلى أنّه ثبّت آخر الديانات وهو الإسلام، وبالرغم من جحود الكافرين ومجادلة المشركين فللمسلمين النصر ولأهل الشرك وأنصارهم من أهل الكتاب الذلّ والخذلان.

موضوعات سورة العنكبوت

تحدثت سورة العنكبوت عن مجموعة من الموضوعات الهامة، وتدرّجت في ذكر هذه المواضيع وفقًا للأهمية، وفيما يلي بعض أبرز وأهم هذه الموضوعات:

  • تدور مواضيع هذه السورة حول أمر الله تعالى للمسلمين بالابتعاد عن المشركين والكفار، كما أمر الله تعالى من خلال آيات هذه السورة بالصبر على أذيتهم، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمتابعة مسيرة الدعوة إلى الإسلام ونشر شرائع الإسلام والقرآن الكريم في كل مكان.
  • طرحت سورة العنكبوت موضوع إثبات أن القرآن الكريم هو كتاب مقدس مصدره الله سبحانه وتعالى، وقد كان هذا أحد المواضيع الأساسية، وركزت على أن القرآن ليس شعرًا أو كلامًا عاديًا من تأليف بشر، وأن رسول الله مبلغ لهذا القرآن عن الله سبحانه وتعالى وليس من عقله.
  • ناقشت السورة الكريمة موضوع الموت والبعث وابتداء الخلق، كما ناقشت موضوعات الجزاء وإثبات أن لكل عملٍ جزاءً، وأن الله تعالى يُحاسب كل شخص على عمله، وذكرت أن المشركين لهم عذاب عظيم.
  • ضرب الله مثلًا من خلال هذه السورة عن اعتماد الكفار والمشركين على أصنامٍ لا تضر ولا تنفع، وقد اتخذوها آلهة لهم من دون الله، كاعتماد حشرة العنكبوت على بيتها الواهن والضعيف، وقد بشّر الله تعالى المسلمين والمجاهدين في سبيله في نهاية السورة الكريمة بالجنة وطمأن قلوبهم.
السابق
ما سبب نزول سورة الضحى
التالي
فوائد سورة غافر

اترك تعليقاً