القرآن الكريم

تعريف بسورة الفتح

سور القرآن الكريم

أنزل الله جل وعلا سور القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة الوحي جبريل، ولكل سورة عدد آيات مختلف عن السور الأخرى، فهناك سور طويلة عدد آياتها يفوق المئة وأخرى قصيرة لا يتجاوز 4 آيات، وهناك سور متوسطة وهكذا، ولكلٍ منها أيضًا سبب نزول خاص ومقاصد ترمي إليها، وخواص وفضائل تنفرد بها دون غيرها من السور، فالقرآن الكريم كلام الله وحاشا أن ينزل عبثًا، وموضوع حديثنا في هذا المقال يدور حول سورة الفتح.

تعريف بسورة الفتح

هي سورة مدنية على اعتبار أن القرآن المدني هو ما نزل بعد الهجرة بغض النظر عن مكان النزول سواء في مكة المكرمة أو المدينة المنورة، ونزلت سورة الفتح بعد سورة الصف، وقبل سورة التوبة، وترتيبها 48 حسب المصحف العثماني، وأما حسب نزول السور فهي 113، عدد آياتها 29 آية، وقد نزلت في موضع يسمى كُراع الغَميم بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وذلك بشأن صلح الحديبية الذي كان له فوائد عديدة على الإسلام والمسلمين، وقد سمي الصلح فتحًا لأنه مقدمة تبشر بالفتح قبل وقوعه، ولأن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا منهم ثم تمكّن الإسلام في قلوبهم وشرح الله صدورهم فأسلم جمع غفير. وتجدر الإشارة إلى أن السورة في المصحف مرتبة بعد سورة محمد المعروفة بسورة القتال، وقيل في مناسبتها لما قبلها أن الفتح ترتب على القتال، وقيل لأنه ذكر في كلا السورتين خصال المؤمنين الصادقين، مقابل المنافقين، والمشركين أيضًا، وقيل لأن أمر الاستغفار جاء في سورة محمد إذ قال تعالى: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ” [محمد: 19]، كما ذكر وقوع المغفرة في سورة الفتح في قوله تعالى: “لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ” [الفتح: 2].

فضل سورة الفتح

ورد في فضل سورة الفتح أحاديث نبوية كثيرة، ومنها ما يلي:

  • أدخلت الفرح والسرور على فؤاد النبي المصطفى، وفي هذا المقام روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال: “لقد أُنزِلَتْ عليَّ الليلةَ سورةٌ لهي أحَبُّ إليُّ مما طلعت عليه الشمسُ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا” [رواه الألباني| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • نزلت تطييبًا لخاطر المسلمين، فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: “كُنَّا بصِفِّينَ، فَقَامَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ، فَقالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، فإنَّا كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ولو نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إلى أَبِي بَكْرٍ فَقالَ له مِثْلَ ما قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّه رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ” [رواه البخاري: خلاصة حكم المحدث: صحيح].

مقاصد سورة الفتح

ترمي سورة الفتح في ملخصها إلى المقاصد التالية:

  • البدء بالبشرى للنبي صلى الله عليهم وسلم ومَن معه من المسلمين، لا سيما بعد أن خيم عليهم الحزن في صلح الحديبية، فعادوا خائبين وغُلبوا من قلة، فبينت لهم السورة أن العاقبة لهم، وأن دائرة السوء على خصمهم من الكافرين، وهو ما بث في قلوبهم السكينة والطمأنينة، وطيّب خاطرهم، وفتح لهم أبواب الخير على مصراعيها.
  • التأكيد على نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو رسولٌ للناس كافة، أرسله الله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، ليتحقق الإيمان بالله جل وعلا وبرسوله الكريم، فيعم الخير بطاعة أوامره وتعظيمها.
  • بيان كرامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند ربه إذ وعده بالنصر، وصدق وعده.
  • التأكيد على أن مَن بايع النبي ونصره واستشهد في سبيل الدعوة المحمدية؛ إنما هو بايع الله واستشهد في سبيل الله، ويد الله فوق يد الأعداء، فمنه النصر والتأييد، وعليه فإن مَن نقص العهد فعليه ضرر ما فعل، ومَن أوفى به فله الأجر العظيم والثواب الجزيل.
  • فضح الأعراب الذين تخلفوا عن حضور بيعة الحديبية، فوصفتهم الآيات الكريمة بالجبن والطمع، بل وسوء الظن بالله جل وعلا، وتكذيب رسوله المصطفى، وعليه فقد مُنِعوا من المشاركة في غزوة خيبر، ثم إنهم سيُدعَون إلى جهاد آخر فإن استجابوا جبّت استجابتهم ما تخلفوا عنه من قبل.
  • التنويه إلى أن أصحاب الأعذار ممن لا يقدرون على القتال لا إثم عليهم، بل يباح لهم التخلف عن القتال لعجزهم.
  • إظهار فضل الله على المؤمنين إذ كف الكافرين عنهم يوم فتح مكة، فأقدرهم عليهم.
  • بيان أن رؤيا الأنبياء حق، وما كان لنبي أن يرى في منامه أمرًا إلا تحققت رؤيته، وفي هذا المقام كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى أنه والمؤمنون داخلي المسجد الحرام.
  • الثناء على المؤمنين الصادقين الذي بايعوا الرسول وشدوا على يديه، فقد قدم الله مثلهم وبين نعتهم وصفتهم في كل من التوراة والإنجيل، وذكر ما أعد لهم من مغفرة وأجر عظيم.
  • ختمت سورة الفتح بمثل ما بدأت به، فقد عاد آخرها على أولها؛ فنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لإقامة دعوته، ومن لوازمها تأييده بالمؤمنين الصادقين وبث روح المناصرة والتلاحم والتراحم بينهم، مقابل إحقاق الشدة على الكفار.
السابق
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون تفسير
التالي
تكريم الام في القران

اترك تعليقاً