القرآن الكريم

تفسير سورة قريش وسبب نزولها

سورة قريش

تعد سورة قريش من السور المكية، وعدد آياتها أربع آيات، وتقع بعد سورة الفيل التي ذكر الله سبحانه وتعالى فيها قصة أصحاب الفيل؛ وهي قصة أبرهة الحبشي وجيشه عند مجيئهم لهدم الكعبة المشرَفة، وكيف أنعم الله تعالى على قبيلة قريش بحفظ مكانتها وعزّها بين العرب، ثمَ نزلت سورة قريش لذكر بعض هذه النعم التي أنعمها الله عليهم بجلب الرزق لهم وتسهيله عليهم رحلة الشتاء والصيف إلى اليمن والشام للتجارة، وفيما يأتي دليل آخر من القرآن الكريم على نعم الله عليهم، إذ حفظهم من خوف الجوع وأنعم عليهم بالرزق الواسع ويسّره لهم، كما بينت كيفية شكر الله على نعمه، وما يجب عليهم اتجاه ذلك، قال سبحانه: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}.

سبب نزول سورة قريش

سميت سورة قريش بهذا الاسم لأنها السورة الوحيدة التي ذكرت فيها كلمة قريش، وسبب نزولها هو تذكير من الله تعالى لقريش بأنه قد خصهم بالعديد من النعم والمميزات عن بقية القبائل، ومن تلك النعم؛ كسوة الكعبة، وسقاية الحجاج، والنصر على أبرهة الأشرم الذي جاء لهدم الكعبة، بالإضافة إلى أنه بعث لهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ جاء على لسان الرسول محمد صلَى الله عليه وسلَم: [فضَّلَ اللهُ قُرَيْشًا بسبْعِ خِصَالٍ، لَمْ يُعْطَها أحدٌ قَبْلَهم، ولَا يُعطَاها أحدٌ بَعْدَهم، فَضَّلَ اللهُ قُرَيْشًا أَنِّي منهم، وأنَّ النبوةَ فيهم، وأنَّ الحِجَابَةَ فيهم، وَأنَّ السقايَةَ فيهم، ونصرهم على الفيلِ، وعبدوا اللهَ عشرَ سنينَ، لا يعبُدُهُ غيرُهم، وأنزَل اللهُ فيهم سورةً مِنَ القرآنِ لم يُذْكَرْ فيها أحدٌ غيرٌهم لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ].

تفسير سورة قريش

نذكر فيما يأتي تفسير آيات سورة قريش:

  • قوله تعالى: { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ }: لقد وردت العديد من المعاني لكلمة إيلاف، والأول منها؛ التآلف والاجتماع والإتفاق، أما الثاني؛ فهي العادة المألوفة، أما الثالث فيعني اللزوم، وجاء الرابع بمعنى التهيئة والتجهيز، وفائدة ذكر اللام في قوله سبحانه وتعالى “لِإِيلَافِ” كما وضح الفخر الرازي في كتابه “مفاتيح الغيب”؛ أن اللام في كلمة إيلاف لها ثلاثة احتمالات، وهي؛ الاحتمال الأول أن تكون متعلقة بسورة الفيل الواقعة قبلها، إذ أفشل الله خطط أصحاب الفيل وأهلكهم من أجل إيلاف قريش، أما الاحتمال الثاني فارتباطها بالآية التي تليها، كما جاء في تقدير الخليل وسيبويه {فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش} أي ليعبدوا الله ويشكروه على نعمته هذه ويعترفوا بها، والاحتمال الثالث أن تكون هذه اللام هي لام التعجب لا صلة لها بما قبلها أو بعدها، فعلى الرغم من عظيم نعم الله على قبيلة قريش إلا أنهم منغمسون في عبادة الأوثان واتباع الأصنام، وقريش هم ولد النضر بن كنانه وسموا قريش من القرش والتقرش؛ أي الاكتساب والتعظيم.
  • قوله تعالى {إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ}: إيلافهم تعود على إيلاف قريش وهي توكيد لفظي.
  • قوله تعالى: {رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}: أي رحلتهم إلى اليمن في الشتاء لدفئها، وإلى الشام في الصيف لبرودتها من أجل التجارة، وهم آمنون مطمئنون لا يتعرض لهم أحد خلال ارتحالهم لما يمتازون به من عظم الشأن عند كافة الشعوب؛ بسبب حمايتهم لبيت الله الحرام وخدمتهم له.
  • قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}: أي عبادة الله سبحانه وتعالى، والعبادة مقصود بها الطاعة التَامة المبنية على معرفة الله، والناتج عنها السعادة الحقيقية بسبب القرب منه سبحانه وتعالى دون إكراه على ذلك، وفي هذه الآية عتاب من الله عز وجل بسبب عدائهم للنبي محمد – صلى الله عليه وسلَم – بعد أن رد كيد الكائدين عنهم، وحمى بيتهم، وأنعم عليهم بالرزق الواسع، وجعلهم آمنين ومطمئنين، والبيت المقصود به هو الكعبة المشرّفة.
  • قوله تعالى: {الذي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}: أي خلق لهم كافَة أنواع الطعام والشراب، وأغدق عليهم بنعمة الأمن والأمان، وتعد نعمة الشبع والأمن الحياة بأكملها، ويتوجب على الإنسان شكر الله عليهما وحمده، فعَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا].

 موقف قريش من دعوة الإسلام

بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الإسلام بالمقربين منه، ثم جاء أمر الله تعالى بالإعلان عن الدعوة الإسلامية أمام الجميع، فهمّ النبي عليه أفضل السلام لتلبية أوامر الله تعالى، إذ صعد الرسول على قمة الصفا بالقرب من الكعبة المشرّفه ونادى قريش ومن معها من القبائل الأخرى وقال لهم: “أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا في سفح هذا الجبل قد طلعت عليكم أكنتم صدقتموني؟” فقالوا : نعم، ما شهدنا عليك كذبًا قط، فقال لهم: إن الله أمرني أن أنذركم من عذاب يوم شديد، وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيب إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله، إلا أن القوم وخاصة أبي لهب سخروا واستخفوا به واتهموه بالكذب والسحر والجنون، على الرغم من أن قريش كانت تراه الصادق الأمين، وتعود أسباب رفض قريش لرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما يأتي:

  • معارضة العديد من زعماء قريش النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب حسدهم له، وتمني بعضهم الحصول على هذه المنزلة الرفيعة، وأن تكون النبوة لهم بدلًا منه كالوليد بن المغيرة.
  • معارضة الدعوة الإسلامية لشهواتهم ورغباتهم وبعض عاداتهم وتقاليدهم غيرالأخلاقية من اللهو والفسق والمجون، واستخدام الفقراء والمساكين والعبيد لتحقيق مصالحهم.
  • لم يتبع قوم قريش رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام على الرغم من معرفتهم أن النبي صادق وأمين، وأنه على حق لخوفهم من أن تقوم عليهم القبائل العربية المشركة بالله تعالى وتطردهم خارج بلادهم وتسلب أراضيهم منهم.

العبر المستفادة من سورة قريش

توجد العديد من الفوائد التي على المسلم استنباطها من سورة قريس، ومن أبرزها ما يأتي:

  • منة الله وفضله على قبيلة قريش.
  • تحقق دعوة سيدنا إبراهيم -عليه السلام – لأهل الوادي كما جاء في قوله تعالى: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
  •  يعد الشبع والأمن هما أساس الحياة الدنيوية وهما يكملان بعضهما؛ إذ إن الخائف لا يهنأ بالطعام وإن كان متوافرًا.
  • إن العرب هم أولى الناس بدين الإسلام، ويجب على سكان مكة المكرَمة عبادة الله – سبحانه وتعالى – واتباع دينه، ويجب أن يكون بيت الله ملجأ لأهل الطاعة وخاليًا من أي شرك وفسق.
  • تعظيم بيت الله الحرام وتشريفه؛ بسبب نسبه لله تعالى وإضافته لاسمه.
السابق
فوائد طلوع الدرج ونزوله
التالي
معلومات عن مدرسة الإمارات الدولية واسعار التسجيل هذا العام

اترك تعليقاً