القرآن الكريم

سبب تسمية سورة الانفال

سورة الأنفال

تقع سورة الأنفال في الترتيب الثامن من بين السورة القرآنية في المصحف الشريف، وعدد آياتها 75 آية، وهي سورة مدينة بإجماع أهل العلم والفقه، ونزلت في العام الثاني بعد الهجرة، وتنازلت أحكام الغنائم وسياسات الحرب والقتال؛ لأنها نزلت عقب انتصار جيش الدولة الإسلامية على الكفار والمشركين في غزوة بدر الكبرى، هذه الغزوة التي كانت محصلة صراع طويل بين الكفار والمسلمين في مكة وصل أمده إلى 15 سنة منها 13 سنة في مكة المكرمة، وسنتان في المدينة المنورة، وقد لاقى المسلمون إبانها شتى أنواع العذاب والاضطهاد والطرد، ولما فروا بدينهم تاركين وراءهم ديارهم وأموالهم، باحثين عن مأوى يأمنون فيهم على عقيدتهم من الأذى والفتنة، لم يهدأ الكفار؛ بل تعقبوهم في موطنهم الجديد وكان هدفهم هو القضاء على الدعوة المحمدية والدين الجديد، لكنهم هلكوا وشربوا كؤوس المنايا وأذاقهم المسلمون بفضل الله ذلًا ما بعده ذل.

سبب تسمية سورة الأنفال

عرفت السورة باسم الأنفال منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، فيما لم يرد أي نص شرعي أو حديث حول سبب تسميتها بهذا الاسم، إلا أن الثابت في هذا المقام أنها افتتحت بآية فيها اسم الأنفال قال تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ۖ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين” [الأنفال: 1]، ولأنها ذكرت حكم الأنفال، والأنفال في معاجم اللغة العربية جمع نَفَل وهو ما يستولي عليه الجيش بعد الانتصار من الغنائم، فنقول أصاب الغازي نَفَلًا وأنفالًا، ونقول تنفل المصلي أي تطوع وصلى زيادة على الفريضة الواجبة، والغنيمة نافلة لأنها زيادة عما أحل الله جل وعلا لهذه الأمة مما كان على غيرها محرًما، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أُعطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ قبلي: نُصِرْت بالرعب مسيرةَ شهر، وجُعِلَتْ لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا، وأُحِلَّتْ لي الغنائم وَلم تَحِلَّ لأحد قبلي، وأُعْطِيتُ الشفاعةَ، وكان النبي يُبعَثُ إلى قومه خاصةً، وبُعِثْتُ إلى الناس عامةً” [رواه البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن سورة الأنفال تُعرف بأسماء أخرى منها: سورة القتال لأنها تذكر أول قتال في عهد الإسلام. سورة الفرقان فقد سماها الله بهذا الاسم في قوله جل وعلا: “يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ” [الأنفال: 41]. سورة بدر لأنها نزلت عقب غزوة بدر الكبرى واصفًة أحداثها وما جاء فيها.

مقاصد سورة الأنفال

تناولت السورة أحكامًا مفصلة حول القتال والغنائم، وسنن التكوين والاجتماع، والولاية العامة والخاصة، وغير ذلك من الأحكام التي تضبط منهج وحياة المسلمين، ومن أبرز ما قصدت إليه السورة ما يلي:

  • بيان أن خمس الأنفال لله وللرسول، واقتران القسمة بالرسول صلى الله عليه وسلم تشريفٌ له وإعلاء لمكانته.
  • الإيمان الصادق ينطوي بالضرورة على العمل الصالح من صلاة وإنفاق وخشية الله، وطاعته ورسوله طاعًة مطلقة.
  • البلاء الذي يصيب المسلمين منوع، فقد يكون بلاءً حسنًا كالنصر والنفل، وقد يكون بلاءً شديدًا شيمته البؤس والهزيمة، وفي كلا النوعين حكمة ومقصد رباني هام مؤدّاه تمحيص المؤمنين.
  • ارتقاء المؤمنين إلى الحياة المعنوية تكون في ما يدعوهم إليه الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو بلا شك ما جاء في كتاب الله جل وعلا.
  • سنة الكون هي أن حب الأمول والأولاد غريزة لكنها في الوقت نفسه فتنة قد تخرج المرء عن الحق والعدل، فتعرضه للإسراف أو الإفراط ما لم تهذب بهداية الدين، وتشذب بحسن التربية.
  • توضيح ماضي العرب في الجاهلية وما كان عليه من ضعف وخوف، ليعلموا أن الإسلام هو مَن زادهم رفعة وعلوًا وسلطانًا.
  • تقوى الله تُكسِب صاحبها ملَكة الفرقان العلمي والوجداني بين الحق والباطل، والخير والشر، المصلحة والمفسدة، فيراعي في تصرفاته ترجيح كفة الحق والخير والمصلحة على ما يقابلها من معانٍ مضادة.
  • امتنان الله جل وعلا على رسوله بتأييده ونصره، فألف قلوب المسلمين وجمع ذات بينهم فانقلبوا بنعمته إخوانًا، وتمكنوا على أعدائهم، وهذا فضل الله عليهم لأنه استجابوا له وأطاعوا أوامره واجتنبوا نواهيه، وفي المقابل فقد ألقى في نفوس الذين كفروا الرعب والشقاق، وعطّل مشاعرهم ومداركم الحسية والعقلية فصاروا كالأنعام صمًا بكمًا لا يعقلون.
  • تقرير قضايا غيبية كبعث الناس من القبور، وحسابهم على ما قدموا في الحياة الدنيا.
  • فضح الكافرين الذين ينفقون أموالهم صدًا عن سبيل الله، فغلبهم الله في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار، مع تحذير المؤمنين من سلوك مسلكهم وهو مسلك الكبراء والبطر والمباهاة بين الناس، لأن سلوك المسلمين ينطوي على إعلاء كلمة الله، وتقرير الفضيلة آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.
  • ضرورة مقاومة الظلم وتحريمه لأن عواقبه تنطوي على الأمة بأسرها لا على الظالمين فحسب، والسبب هو أن الأمة كالجسد الواحد يتألم كله لما يصيب بعضه.
  • تغير أحوال الأمم سنة من سنن الكون، فقد ينقلب الحال من نعيم إلى شقاء، ومن شدة إلى رخاء، ومن طور إلى ضده وهو أمر طبيعي فطري يرتبط بالدرجة الأولى على تغير النفوس وما تؤمن به من العقائد، وما تطبع به من طبائع، وما يترتب على ذلك من أفعال.
  • بيان ضرورة إعداد العتاد الذي تملكه الأمة الإسلامية في سبيل قتال ومواجهة العدو، وفي مقدمة ذلك المرابطة في الثغور مرابطة مادية بالعدة العسكرية، ومرابطة معنوية بالتحصين الثقافي والفكري.
  • دعوة المؤمنين إلى الوفاء بعهود ومواثيق الحرب والسلام، لأن الخيانة سرًا أو جهرًا محرمة، مع التأكيد على أن الشريعة الإسلامية شريعة سلمية تفضل السلم على الحرب، وإنما خيار الحرب يبدأ مع جنوح العدو لها فهو ضرورة تقدر بقدرها.
  • بيان أسباب النصر المعنوية في المعارك وهي ذكر الله جل وعلا والاستعانة به على العدو، طاعة الله ورسوله، بالإضافة إلى التحلي بالصبر، مع نبذ دواعي النزاع لأنه مرده الشقاق والتفرق ثم الهزيمة.
السابق
كيف تم جمع القران
التالي
فضل سورة الواقعة

اترك تعليقاً