القرآن الكريم

سبب تسمية سورة الجاثية

سورة الجاثية

تعد سورة الجاثية من سورة القرآن المكية بإجماع جمهور أهل العلم والتفسير، فيما جاء في القرطبي عن ابن عباس وقتادة أن الآية رقم 14 نزلت في المدينة المنورة قال تعالى: “قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” [الجاثية: 14]، نزلت بعد الدخان وقبل الأحقاف، عدد آياتها 37 آية في العد الكوفي، و36 آية في عدّ المدينة وبصرة والشام ومكة، وسبب ذلك هو الاختلاف في كون مطلع السورة من الحروف المقطعة حم آية مستقلة أم لا، وسنتحدث في هذا المقال حول سبب تسمية السورة بهذا الاسم، بالإضافة إلى أسمائها الأخرى غير المشهورة، ومقاصدها وما ترمي إليه في مجمل آياتها.

سبب تسمية سورة الجاثية

الجاثية هو اسم من أسماء يوم القيامة، وقد سميت السورة بهذا الاسم لورود لفظ جاثية فيها دون غيرها من السور، قال تعالى في السورة الكريمة: ‏”وَتَرَى ‏كُلَّ ‏أُمَّةٍ ‏جَاثِيَةٍ ‏كُلُّ ‏أُمَّةٍ ‏تُدْعَى ‏إِلىَ ‏كِتَابِهَا ‏اليَوْمَ ‏تُجْزَوْنَ ‏مَا ‏كُنْتُمْ ‏تَعْمَلُونَ” [الجاثية: 28]، وكلمة جاثية مشتقة من جثو الخلائق يوم الفزع الأكبر على ركبها انتظارًا للحساب، وهو يوم عظيم يغشى على الناس من أهواله، وبحسب كتب التفسير وصحيح بخاري فقد أضيف لام التعريف إلى الاسم مع أن اللفظ في الآية الكريمة مذكور بدون اللام بقصد تحسين الإضافة والتقدير؛ فهي سورة هذه الكلمة، أو السورة التي ذُكِرت فيها هذه الكلمة. وتجدر الإشارة إلى أنها تعرف بأسماء أخرى منها سورة شريعة حسب ما قال ابن الزبير، وقد ورد الاسم في كتب بعض المفسرين كابن الجوزي، الخازن، الجمل، وعنون بها ابن العربي أحكام القرآن، وأوردها السخاوي والسيوطي في السور ذات الاسمين أو أكثر، وسبب التسمية هو وقوع لفظ شريعة فيها دون غيرها من سور القرآن الكريم، قال تعالى: “ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُون” [الجاثية: 18]، فيما قال الإمام المهايمي أن سبب التسمية هو اشتمال آياتها على نسخ هذه الشريعة وبيان فضلها على سائر الشريعة، ومن أسمائها أيضًا سورة الدهر لوقوع اللفظ فيها أيضًا دون غيرها من ذوات حم، قال تعالى: “وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ” [الجاثية: 24]

مقاصد سورة الجاثية

تضمن سورة الجاثية مجموعة من المقاصد أي الأغراض الأساسية والموضوعات المحورية التي تدور عليها، ويمكن إجمالها في ما يلي:

  • البدء بحروف مقطعة تدل على إعجار القرآن الكريم، ثم التأكيد على أنه كلام الله جل وعلا الذي جاء بالحق والهداية للناس أجميعن.
  • إدراج مجموعة من الأدلة التي تؤكد ربوبية الله جل وعلا وعظيم سلطانه، مما يدلل على حقه وحده بالألوهية كونه خالق السماء والأرض وما بينهما، وعليه يتعين على الناس شكر هذه النعم لا كفرها وإنكارها.
  • تعليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم أخلاق المؤمنين وفضائلهم في الترفع عن أذية الذين لا يؤمنون، فالعفو والمغفرة أحد أساليب الدعوة المجدية في جذب الكفار إلى الإيمان بالله واعتناق الدين الإسلامي، ناهيك عن كونهما صفات خلقية يترتب عليها عظيم الجزاء من الله جل وعلا، فقد خص تبارك وتعالى الصابرين الغافرين غير الحاقدين والمتجاوزين عن السيئات بالثواب الكبير في الدنيا والآخرة.
  • توضيح النعم التي أنعم الله على بني إسرائيل، فقد آتهم الكتاب، والحكم، والنبوة ليحملوا رسالة الله العظيم للناس، إلا أنه تبين أنهم ليسوا جديرين بهذه الأمانة، فاصطفى الله بحكمته نبيًا كفؤًا لحمل الرسالة وأداء الأمانة وجعله خاتم المرسلين وهو سيدنا محم صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الاختيار تحذير ضمني لأمة محمد بأن تسلك ما سلك بنو إسرائيل من قبل.
  • وعيد الكافرين بالعذاب الأليم؛ لأنهم كذبوا على الله فأعرضوا عن آياته واستهزؤوا بها، ثم اصروا على ما فعلوا ولم يتراجعوا.
  • التنديد بالمشركين الذي اتخذوا آلهة غير الله فعبدوها وحجدوا بآيات الله ويوم البعث، فوصفت الآيات أهوال ذلك اليوم وما فيه من عذاب لهم، ورحمًة بالفريق الآخر من الذين آمنوا واتقوا.
  • تحذير الناس من اتباع الهوى والضلال، فهو يختم على السمع والقلب ويُعمي البصيرة، فلا يكون لصاحبه هداية بعدها، بل يتمادي في ضلاله وطغيانه.
  • وصف مَن أعرض عن آيات الله بالاستكبار والترفع عن العبرة والعظة، لأنهم فرحوا بالدنيا وانغروا بما فيها من ملذات زائلة، ناسين يوم القيامة حيث المستقر الحقيقي والدار التي لا تفنى.
  • وصف أهوال يوم القيامة إذ تُدعى كل أمة إلى كتابها الذي يتضمن كل كبيرة وصغيرة، فيترتب على ما فيه جزاء عادل، ثم إلى الجنة ونعم المصير، أو إلى النار وبئس المصير.
  • تحذير العباد من الوقوع في ما وقع فيه بنو إسرائيل؛ فلما اختلفوا في كتاب الله من بعد ما تبين لهم الحق؛ سلط الله عليهم الأمم، فكيف بمَن أهمل النظر فيها مع تبيانها، وكيف بمَن خالفها من الوهلة الأولى.
  • تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، فالشريعة المحمدية تشبه شريعة موسى، ولا بد أن يكون هناك معارضون ومخالفون يقدحون ويذمون ويؤذون، فعلى الرسول البلاغ المبين وألا يعبأ بالمعاندين وإن كثروا فلا وزن لهم عند الله.
  • ختمت الآيات بالحمد لله والثناء على صفاته، فهو رب السماوات والأرض، وهو العزيز أي القاهر لكل شيء، وهو الحكيم أي واضع الأشياء مواضعها، فلا يشرعه إلا لحكمة، ولا يقضي إلا لمصلحة، ولا يخلق إلا لفائدة ومنفعة وحاشاه أن يخلق شيئًا عبثًا.
السابق
خلق الانسان جزوعا
التالي
فضل قراءة سورة يس

اترك تعليقاً