القرآن الكريم

خلق الانسان جزوعا

معنى لفظة جزوع

يمتلك الإنسان صفات معينة تميزه كفرد عن غيره، إلا أن الطبيعة البشرية لها محددات وخصائص يشترك فيها البشر، وتظهر في كل منهم بنسب مختلفة، فالخوف والحرص والحزن وغيرها من المشاعر تصبح صفة أصيلة إذا ما شكلت للإنسان عائقًا في ممارسة حياته والعيش في طمأنينة، ومنها ما جاء في القرآن الكريم بصيغة مبالغة كلفظة “جزوعًا”، فوصف الله تعالى بها الإنسان قليل الصبر على الشدائد والكدر. في الآتي سنبين المعنى الدقيق لهذه الصفة والسياق الذي جاءت فيه الآية، كما سنبين المواقف الحياتية التي يجزع لها الإنسان وتصبح فيه هذه الصفة عائقًا له، فلا أقول بأنه سيتخلص تمامًا من عجلته وقلقه الشديد على نفسه ومصالحه فهذا أمر غير ممكن؛ كون الصفة أصيلة في الإنسان وهكذا خُلق، إلا أنه من الضروري الحفاظ على مستوى الشعور بالقلق واستعجال الفرج في مستوى طبيعي لا يعيق الحياة ويعكر صفوها. الجزع هو نقيض الصبر، وإذا كان الإنسان لا صبر له على ما نزل به من شر أو كدر ولا طاقة له على تحمل الشدائد فتكون الصفة في صيغة المبالغة، أي جزوع، وفي هذا السياق جاءت اللفظة في الآيات الكريمة: “إنّ الإنسان خُلق هلوعًا (19) إذا مسّه الشر جزوعًا (20) وإذا مسّه الخير منوعًا (21)” (سورة المعارج)، وجاء في الآية بيان لصفة في الإنسان وهي الهلع وهي شدة القلق والخوف، ولحقها التوضيح للصفة إذا نزل به شر وضائقة فقد قدرته على الصبر واستعجل الفرج وغلب عليه القلق والخوف والحزن الشديد، وإذا أصابه خير تمسك به ولم يعطِ منه شيئًا وخاف على فقدانه حد القلق والذعر، بالطبع هي صفات إنسانية والدليل على ذلك قوله تعالى “إن الإنسان خُلق هلوعًا”، أي أنه خُلق وبه هذه الصفات، ولكن الآية التي تليها تبين أن من الناس من يعيش في راحة وتوكل على الله فلا يكدر صفو عيشهم خوف من زوال نعمة أو حلول نقمة، ويبينهم تعالى في قوله: “إلا المصلين” (سورة المعارج، الآية 22) وفي هذا تأكيد على أن الإنسان قادر على ضبط نفسه والتغلب على مسببات حزنه وقلقه.

مسببات الجزع

  • تذكر ما يحزن القلب ويستفز مشاعر الضيق، وفي هذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تستفزوا الدموع بالتذكر”، فكثرة استفزاز الذكرى السيئة والمسببة للشعور بالضيق يجعل الإنسان في كدر دائم ويعيقه عن المضي في حياته.
  • الشكوى باستمرار، فالشكوى تجلب المشاعر السلبية والأفكار السيئة وتمنع الإنسان من إحراز أي تقدم في حياته، منشغلًا عن المستقبل بالشكوى وإضاعة الوقت في ما ليس منه طائل.
  • الفقد شعور إنساني وهو أيضًا مسبب للألم إلا أن كثرة التحسر تمنع الإنسان من التقدم وتبقيه في حزن شديد وألم لا يطاق، وبهذا يصبح لا طاقة له على المضي قدمًا ولا في إمكانه إعادة المفقود.
  • اليأس وفقدان الشعور بالأمل، وبهذا يظن الإنسان ألّا أمل في إحداث جديد أو الخروج من الضيق، إلا أن الحياة دائمة التغير والأحوال في تقلب مستمر، فالحياة مزيج من الألم والأمل والسعادة والحزن، أي بمعنى آخر: الجيد والسيئ معًا يرسمان شكل حياة الإنسان في الدنيا، ولا يمكن أن يعيش بأحدهما فقط، ويعود سبب عدم دوام أحدهما ألا شيء كامل، وخلال حياتنا نرى الأمر ونقيضه، لنعلم القيمة الحقيقية للأشياء والمشاعر الإنسانية، فلولا الحزن لما استمتع الإنسان بلذة السعادة ولولا الفقد لما قدّر قيمة الكسب.

أوضحت الآيات التي ذُكرت سابقًا بأن الصلاة هي إحدى العلاجات الأساسية لمثل هذه المشاعر، فالصلاة تُبقي على الرابط ما بين العبد والله تعالى، وباستمرارها يستمر الأمل بالفرج والطمأنينة، ومن فضلها وأثرها على النفس والقلب قال رسول الله الكريم: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)، ففيها ذكر دائم لله وبذلك يبقى الإنسان متوكلًا ومتيقنًا بالفرج.

السابق
كم عدد ايات سوره البقره
التالي
سبب تسمية سورة الجاثية

اترك تعليقاً