القرآن الكريم

تفسير اية عبس وتولى ان جاءه الاعمى

سورة عبس

تُعد سورة عبس من السور المكية التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم في مكّة المُكرمة، ومن أسمائها الصاخة والسفرة، وترتيبها ثمانين في القُرآن الكريم، في الجُزء الثلاثين في الربع الثاني، من الحزب التاسع والخمسين، وعدد آياتها 42 آية، نزلت سورة عبس على النبي مُحمد صلى الله عليه وسلم بعد سورة النجم، وتبدأ السورة بالفعل الماضي عبس، وما يُميزها عن غيرها من السور عدم ذكر لفظ الجلالة فيها، وتناولت سورة عبس عدة موضوعات عن شؤون العقيدة الإسلامية، والرسالة، وتتحدث أيضًا عن وحدانية الله تعالى وقُدرته في خلق الإنسان والنبات والطعام، كما تتحدث عن أهوال يوم القيامة، وشدّة ذلك اليوم العصيب، وما يكون فيه من أهوال عظيمة.

تفسير آية عبس وتولى أن جاءه الأعمى

“عبس وتولى” وهي الآية الأولى من سورة عبس، والمقصود بالعابس والمتولّي أي الكاره للشيء هو سيدنا مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم، و”أن جاءه الأعمى” هي الآية الثانية من السورة الكريمة، والمقصود بالأعمى هو الصحابي الجليل ابن أم مكتوم الذي كان أعمى البصر، وشرح المُفسرون الآيتين الكريمتين أنه في يوم كان الرسول مُحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخاطب بعض من زُعماء قُريش وهم عُتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبو جهل بن هشام، يدعوهم إلى الإسلام طمعًا ورغبةً منه في إسلامهم، وأثناء ذلك أقبل على النبي الصحابي الجليل ابن أُم مكتوم، وكان يسأل ويُلح بالسؤال على النبي مُحمد طلبًا للعلم، فَكَرِه النبي عليه الصلاة والسلام سُؤاله له، فأعرض وصدّ عنه، وأقبَل على زُعماء قُريش رغبةً منه في هدايتهم، ولمّا انتهى الرسول عليه الصلاة والسلام أمسك الله تعالى ببعض بصره، وأنزل الآية الكريمة: {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى} لعتاب النبي عليه الصلاة والسلام بسبب صدّه عن العبد الفقير، وإقباله على العبد الغني.

كما وجّه الله تعالى كلامه إلى نبيه مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة الغائب التي فيها تعظيم وتكريم لنبيه، وكأن الكلام مُوجّه إلى غيره، وحتى عندما يسمعها الرسول عليه الصلاة والسلام يكون وقعها أقل عليه، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يُحب ويُكرم عبد الله بن أبي مكتوم ويناديه بمرحبًا بمن عاتبني فيه ربي، ومن الجدير بالذكر أن عبوس النبي في هذه الحادثة لا يتعارض مع حُسن خلُقه، وبضرورة الاقتداء به، إذ إنه بشر يشعُر بما يشعُر به البشر من الغضب والمرض والصحة، ويظهر ذلك على ملامح وجهه وجسده، فكانت ملامح وجهه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تتغير وتظهر عليه علامات الانزعاج كلما رأى شيئًا يكرهه، وتظهر عليه علامات السرور إذا رأى شيئًا يُحبه، كما أن هذه الآيات دليل على صدقه فإنه لو أخفى شيئًا مما أُوحي إليه لأخفى هذه الآيات.

عبد الله ابن أم مكتوم

هو عبد الله، وقيل بأنه عمرو، وهو ابن قيس بن زائدة بن الأصم، وقيل إنه عمرو بن زائدة، وقيل أيضًا ابن قيس بن زائدة بن الأصم، وروي عن ابن سعد أن اسمه عند أهل المدينة عبد الله، إلا أنه روي عن أهل العراق أن اسمه عمرو، كما أنه ابن خال السيدة خديجة أم المُؤمنين، فإن فاطمة وهي أم السيد خديجة أخت قيس بن زائدة وهو والد عبد الله بن أم مكتوم، وأمه هي أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عائذ بن مخزوم، وأسلم ابن أم مكتوم في مكة وكان من المُهاجرين الأولين إلى المدينة المُنورة قبل هجرة النبي عليه الصلاة والسلام إليها، ورُوي عن البراء أن مصعب بن عُمير كان أول المُهاجرين، ثم يليه عبد الله ابن أم مكتوم، وعندما نزل قول الله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، قال عبد الله بن أم مكتوم “أي ربِّ أنزل عُذري” فأنزل الله تعالى قوله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}،وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يولّي عبد الله ابن أم مكتوم على المُسلمين عندما كان يذهب إلى الغزوات، فاستخلفه الرسول في ثلاث عشرة غزوة، وهي؛ الأبواء، وبواط، وذي العشيرة، والسويق، وأحد، وغطفان، وحمراء الأسد، وذات الرقاع، ونجران، والغزوة التي كانت في طلب كرز بن جابر، وغزوة بدر، وعند خروج الرسول لحجة الوداع، وعندما كان عبد الله ابن أم مكتوم يغزو يقول: “ادفعوا إليّ اللواء، فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفرّ، وأقيموني بين الصّفَّين”.

ومن الجدير بالذكر أن عبدالله بن أم مكتوم خرج إلى معركة القادسية، كان حاملًا لواء المُسلمين، واستُشهد فيها، كما روي عن الزبير بن بكار، وكان ذلك في السنة الرابعة عشر من الهجرة النبوية، وذلك عندما قرر الخليفة عُمر بن الخطاب رضي الله عنه خوض معركة ضد الفُرس للقضاء على دولتهم، ولفتح طريق أمام جُيوش المُسلمين، فكتب عُمر بن الخطاب إلى عُمّاله: (لا تدعوا أحدًا له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا وجّهتموه إليَّ والعَجَلَ العَجَلَ، وطفقت جموع المسلمين تلبي نداء أمير المؤمنين وتنهال على المدينة من كل حدبٍ وصوبٍ)، وكان عبد الله بن أم مكتوم من ضمن المُجاهدين، ونذر نفسه لحمل راية المُسلمين والحفاظ عليها، أو الموت دونها، وكانت حربًا لم يكن لها مثيل في تاريخ الفتوحات، وانتهت المعركة بنصر المُسلمين، إلا أنه سقط فيها المئات من الشُهداء، وكان من بينهم عبد الله بن أم مكتوم، الذي كان مدرجًا بدمائه قابضًا على راية المُسلمين.

العبر المستفادة من حادثة ابن أم مكتوم

من العبر التي يُمكن استخلاصها من سورة عبس ما يأتي:

  • عتاب الله تعالى للنبي مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي هو أحب خلقه إليه وأتقاهم وأكثرهم خشيةً له بانشغاله عن الأعمى ظنًا منه أنه يوجد ما هو أهم وأنفع منه بدخولهم للإسلام، وعلى الرغم من أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينهره إلا أن العتاب جاءه حرصًا على مشاعر الأعمى، والذي يُمثل حرص الإسلام على الناس أكثر من حرصهم على أنفسهم.
  • تُظهر الآيات الكريمة العمى الحقيقي، وعلى الرغم من عمى البصر فإنه أراد أن يُبصر الحق بالمعرفة، والفرق بين عمى البصر والبصيرة.
  • بيان أهمية حاجة أصحاب العلل للعناية، إذ إن العمى يجب أن يزيده عماه تعطُفًا.
  • تُظهر الآيات عدل الإسلام فلا فرق بين أهل الغنى وأهل الفقر، ولا أن الغني أحق من غيره في الاستماع للحق، وذلك لأن الإسلام جاء لإنقاذ الإنسان مهما كانت قيمته من النار، وهدايته لعبادة الله عز وجل.
السابق
فوائد تشغيل سورة البقرة في البيت
التالي
سبب تسمية سورة الحديد

اترك تعليقاً