القرآن الكريم

عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم

سجود التلاوة في القرآن الكريم

السجود في اللغة يعني الخضوع والطاعة والذل، ومنها سَجَدَ سجودًا أي خضع وذل، وهذا هو حال كل المخلوقات أمام الله تعالى الخالق، ويقال عن الرجل أنه سَجّادُ دلالة على كثرة سجوده، ورجل سجّاد أي على جبهته علامة من أثر السجود، ومنها أيضًا المسجد وهو المصلى ومكان الصلاة؛ مثل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، بينما تعني كلمة السجود في الاصطلاح الانحناء ووضع كل أعضاء السجود على الأرض، فيتساوى موضع جبهة الساجد مع موقفه، أو يزيد بمقدار لبنة فقط، إذ توضع أعضاء السجود السبعة على الأرض بنية التعظيم لله تعالى، والأعضاء هي: الجبهة، وباطن الكفين، والركبتين، وإبهاما الرجلين، وهذا هو السجود البدني الذي يأتي بعد السجود النفساني في المرتبة، ومحل السجود النفساني هو القلب؛ إذ لا بد من خشوع القلب وإقباله على الله تعالى والخضوع والذل وإخلاص النية والتخلق بأحسن الأخلاق.

وقد ورد في القرآن الكريم ما يدل على كلا النوعين من السجود: سجود التسخير، وسجود الاختيار، ومن الجدير بالذكر أن السجود هو في ذاته عبادة فيها غاية التقرب والتذلل لله تعالى، فهو من أبلغ صور الذل والخضوع للخالق سبحانه، فهو يجمع بين المعنى الحسي والمعنوي للعبادة، وبين عظمة الرب وذلة العبد الفقير إلى ربه خالقه ورازقه، فلا يكون المسلم عبدًا لله تعالى إلا بهذه الصفة من التذلل والعبودية لله الواحد الأحد، ولهذا كان العبد أقرب ما يكون لله وهو ساجد كونه أقر وخضع واستسلم لله تعالى،ومن الجدير بالذكر أن سجود التلاوة هو سجود مثل سجود الصلاة، إذ يُسن على السامع أينما كان أن يسجد لله عندما يسمع موطن سجود من القرآن الكريم، ويقول فيه مثل ما يقول في سجود الصلاة، فالسنة أن يسجد المسلم وله أجر، وإن لم يسجد فلا إثم عليه.

عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم

إضافة إلى السجود الذي يمثل ركنًا من أركان الصلاة المفروضة، فإن هناك سجود آخر يعرف بسجود التلاوة، وشروطه لا تختلف عن سجود الصلاة، وورد في القرآن الكريم خمس عشرة مرة في مواضع مختلفة كما يلي:

  • {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}.
  • {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}.
  • {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.
  • {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}.
  • {إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}.
  • {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ}.
  • {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
  • {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}.
  • {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}.
  • {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.
  • {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}.
  • {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
  • {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}.
  • {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}.
  • {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب}.

كيفية أداء سجود التلاوة

أجمع جمهور العلماء على أن سجود التلاوة يؤدى بالكيفية ذاتها لأداء السجود في الصلاة، ويقول المسلم فيه مثل ما يقول في سجود الصلاة من دعاء أو تسبيح، أما حكم التسليم من سجود التلاوة فلا يشرع التسليم بعد سجود التلاوة لعدم وجود دليل شرعي يثبت ذلك، مع التكبير عند الخفض والرفع، وقد أدى الرسول الكريم سجود التلاوة أثناء الصلاة كذلك، وقد وردت الكثير من الآراء والفتاوى حول شروطه وكيفيته ووجوب الطهارة أو استقبال القبلة، واشتراط تأدية الإمام والمصلين للسجود في وقت الصلاة وغيرها من الفتاوى.

واختلف العلماء في اشتراط الطهارة في سجود التلاوة على قولين؛ القول الأول وهو ما عليه جمهور العلماء أصحاب المذاهب الأربعة وهي: الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنبلية، اشترطت هذه المذاهب الأربعة الطهارة لسجود التلاوة وأنه لا يصح إلا بها؛ لأنه يدخل في عمومية السجود وفيه صلاة حقيقية، والقول الثاني وهو ما عليه بعض السلف مثل البخاري وابن حزم وابن تيمية وابن باز وغيرهم؛ وهو أن الطهارة ليست شرطًا لسجود التلاوة؛ إذ لا توجد أحاديث في سجود التلاوة تشير إلى وجوب الوضوء لسجود التلاوة، أما بالنسبة للتكبير فيه فيوجد خلاف بين العلماء في التكبير عند الخفض والرفع؛ الرأي الأول وهو رأي جمهور العلماء الأئمة الأربعة أنه يسن التكبير لسجود التلاوة عند الخفض والرفع لمن هو خارج الصلاة، والرأي الثاني الذي اختاره أبو حنيفة وبعض الحنابلة وابن باز وابن عثيمين؛ وهو أن يكبر عند الخفض لسجود التلاوة فقط، ولا يكبر عند الرفع منه لعدم وجود دليل أو نص يؤكد على ذلك.

حكم سجود التلاوة

أجمع جمهور أهل العلم على مشروعية سجود التلاوة في الآيات التي تتضمن مواضع سجدة، لكنهم اختلفوا فيما إذا كان واجبًا أو مندوبًا على النحو الآتي:

  • رأى المذهب الشافعي والحنبلي والمالكي أن سجود التلاوة هو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استندوا في قولهم هذا على قوله جل وعلا في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً*وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً*وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}، كما استندوا أيضًا على دليل من السنة النبوية المطهرة، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: [زَعَمَ أنَّه قَرَأَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا]، ومن الحديث الصحيح يتبين أن سجود التلاوة لو كان واجبًا لما تركه النبي المصطفى.
  • رأى المذهب الحنفي أن سجود التلاوة واجب على القارئ والسامع معًا، مستندين على حديث: (السجدة على من سمعها وعلى من تلاها)، فيما تبين أن الحديث غريب لم يثبت، وفي رواية ليس له إسناد أو له إسناد ولا يحتج بمثله النقاد من أهل العلم.

فضل تلاوة القرآن الكريم

نزّل الله تعالى على كل نبي من الأنبياء كتابًا يمثل الدستور الذي يستقي منه ذلك النبي تعاليم رسالته فيخبرها للمؤمنين كي يتبعوها، وتكون لهم نبراسًا وهداية، فقد أنزل الله تعالى على عيسى عليه السلام الإنجيل، وعلى داوود الزبور، وعلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، وهو كلام الله عز وجل أشرف الكتب وأطهرها، والمحفوظ من التحريف والتزوير حتى يوم الدين، وقد أنزله الله تعالى على سيدنا محمد في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، وقد مثّل القرآن الكريم معجزة النبي الأبدية، إذ كان العرب في شبه الجزيرة العربية يشتهرون بفصاحة اللسان والبلاغة والبيان، فكان القرآن أفصح وأبلغ من استيعابهم، وهو ما جعل الكثير منهم يدخلون الدين الإسلامي حبًا وطوعًا وإيمانًا ويقينًا، ويتميز القرآن ببراعة الصور الفنية والتشبيهات، وجزالة الألفاظ، وعذوبة الوصف، وهو منهج للمسلمين كافة ففيه أحكام دينهم والطريق المستقيم إلى هدايتهم ورفعتهم، بالإضافة إلى احتوائه على قصص الأنبياء والصالحين، مما يتوجب على المسلم استخلاص العبر والحكم والعمل بها في الحياة، ويبين القرآن حال المسلمين في الجنة ورغيد عيشهم وحالهم في النار وما سينالونه من العذاب والحساب، وقد جاءت السنة النبوية لتبين وتشرح بكثير من التفصيل كل ما فيه.

وقد ورد في السنة النبوية فضل تلاوة القرآن وفضل بعض السور والأجر العظيم ومنزلة قارئ القرآن، فمن أراد الأجر والخير العظيم فليس هناك باب لهما أفضل من تلاوة القرآن الكريم كلام الله تعالى، فالقرآن هو شفيع لأصحابه يوم القيامة، إذ إن لتلاوة القرآن فضل وشرف كبير يناله من حافظ عليها وتدبر معانيها، فكلام الله نور وضياء وطيب وبركة لأهله وخاصته، وإن أفضل ما يتقرب به العبد لربه هو تلاوة القرآن وتدبر معانيه، فهو جلاء ودواء للقلب، وطمأنينة وسكينة للنفس، وفيها صلاح لأمور الدنيا والآخرة، وإن تدبر كلام الله تعالى وفهم معانيه من أهم مقاصد القرآن الكريم كما في قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

السابق
فوائد كل سورة من سور القران الكريم
التالي
تفسير اية فانكحوا ما طاب لكم من النساء

اترك تعليقاً