القرآن الكريم

خواص سوره روم

سورة الروم

سورة الروم هي سورةٌ مكية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرّمة قبل الهجرة النبوية إلى المدينة، ويبلغ عدد آيات هذه السورة ستين آية، وسُميت سورة الروم بهذا الاسم لحديثها عن الحادثة الكبيرة والمبهرة في طليعتها ألا وهي هزيمة الروم، ومن ثم تحدثت في الآيات اللاحقة عن انتصارٍ قادمٍ للروم خلال وقتٍ وجيز، بعد أن كان الروم في أشد الحالات ضعفًا، ولم تقتصر الآيات على تحديد وقت النصر القادم، بل حددت المكان الذي ستُقام به المعركة، وقد حدث الأمر بالفعل، ويتضح مما سبق أن نصر الله تعالى قادمٌ للمؤمنين لا محالة وإن تأخر، فما يتأخر إلا لحكمةٍ يعلمها الله سبحانه وتعالى.

تبشر سورة الروم المسلمين بنصرٍ أكيد لا محالة على أعدائهم، ولكن يتوجب على المسلمين الأخذ بالأسباب من ثقةٍ بالله تعالى، والتوكل عليه سبحانه، ثم يأتي النصر من عنده وإن قلت الأعداد والعتاد، أو تأخر النصر قليلًا، وتعرض السورة ضمن آياتها مدى ثبات المؤمنين في الحرب مع الروم ومدى ثباتهم وعزتهم وصدقهم في الدعوة إلى الله، مما أدى إلى مكافأتهم بالنصر ورفعة الشأن، وسورة الروم هي سورة كغيرها من السور القرآنية التي حرصت على طرح مجموعة من القضايا الهامة التي جاءت لأجلها السور المكية، إذ إنها عالجت مجموعة من قضايا العقيدة الإسلامية ‏في مجملها العام، كالإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له، وقضية البعث والجزاء، والرسالة وغيرها من القضايا.‏

مقاصد وخواص سورة الروم

اشتملت سورة الروم على مجموعة من المقاصد والخواص الهامة، وفيما يلي ذكر لأبر ما جاء فيها من خواص:

  • كشفت السورة عن الارتباطات الوثيقة بين أحوال الناس، والأحداث الجارية في الحياة، بالإضافة إلى الماضي البشري والحاضر والمستقبل، كما أنها كشفت عددًا من السنن الكونية، وبينت أن كل حركة وحادث وحالة ونشأة وعاقبة ونصر وهزيمة مرتبطة برباط وثيق، وتُحكم بقانون دقيق، وأن الأمر لله وحده.
  • أذية وقمع المشركين من أهل مكة قبل الإسلام لمجرد رغبتهم بفوز الروم في الحرب ضد الفرس، وقد هُزِمَت الروم وقُمِعَ المشركون في مكة.
  • تجاهل المشركين لأنهم لا يعتبرون بالأحداث، كما أنهم لا يأخذون بأسباب النهوض والانحدار للأمم، أو يتعظون ويرتدعون بهلاك الأمم السابقة المشركة كشركهم.
  • دلت الآيات الكريمة على وحدانية الله تعالى من خلال الآيات والحقائق الكونية وما خلق من مخلوقات، وربطت السورة بين نصر الله للدين الحق والحق القائم عليه السماوات والأرض.
  • بينت السورة الكريمة عالمية الإسلام ودعوته وارتباطها بأوضاع العالم جميعها، ولا تُعد رسالة الإسلام مربوطةً بالكون وحده، وإنما بفطرة الكون كاملة.
  • حثت السور الكريمة على التمسك بالإسلام؛ لأنه الدين الحق والقويم.
  • ضرب الله تعالى الأمثال المختلفة لإحياء ما زالت عنه الحياة من خلال هذه السورة، بالإضافة لأمثال القوة بعد الضعف، وكان لذلك لبيان قوته عز وجل وأنه القادر على كل شيء.
  • ربطت السورة الكريمة بين ظهور الفساد في البر والبحر وبين أعمال الناس، كما أنها توجه الناس للنظر في عواقب المشركين.
  • جاء في آياتها إثباتٌ للبعث يوم القيامةِ، وأن هذا الأمر واقعٌ وحقٌ لا شك فيه.

سبب نزول سورة الروم

نزل قول الله تعالى الوارد في سورة الروم كما ورد عن المفسرين بسبب بعث كسرى لجيش للروم، ووضع عليهم رجلًا يُدعى شهريراز، فسار بهم إلى مناطق الروم، وظهر عليهم وقتلهم، وهدّم مدائنهم، وقطّع زيتونهم وأشجارهم، وكان قيصر زعيم الروم قد بعث رجلًا يقال له يحنس، فالتقى بجيشه مع شهريراز بأذرعات وبصرى، وهي منطقة أدنى الشام باتجاه جزيرة العرب، فانتصر الفرس على الروم، وبلغ النبي وأصحابه ذلك بمكة المكرّمة فشق الأمر عليهم، وكان عليه الصلاة والسلام يكره أن يظهر الأميون من المجوس على الروم؛ وذلك لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى المسلمين من المجوس، ففرح الكفار والمشركون بنصر الفرس وشمتوا، فتلاقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: “إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم”، ثم أنزل الله تعالى قوله: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}.

مشكلات أشارت لها سورة الروم

أشارت سورة الروم من خلال آياتها الكريمة إلى مجموعة من المشاكل التي يعاني منها البشر في الوقت الحالي، وخاصةً الأمم الغربية منهم، وفيما يلي أبرز وأهم هذه المشاكل:

  • فصل العلوم الدنيوية عن علوم الدار الآخرة، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.
  • ظهور الغرور بالعمران والقوة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
  • إهمال نواة المجتمع وهي الأسرة، وعدl الاهتمام بها، بالإضافة إلى إباحة الزنا والشذوذ الجنسي، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
  • ظهور التمييز العنصري بمختلف أشكاله قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}.
  • إهمال الآخرة ونسيانها، قول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}.
  • انتشار الظلم واتباع الهوى، قال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}.
  • المخالفة الصريحة للفطرة، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون}.
  • الخلافات الدينية والحزبية، قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
  • القنوط والخوف والتذلل عند نقص الأموال وقلتها أو وقوع الكوارث المسببة لنقص المال، قال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}.
  • الأنانية، قال تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
  • الربا، قال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُون}.
  • الفساد يعم البر والبحر، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

أدنى الأرض الواردة في سورة الروم

وردت في سورة الروم كلمة أدنى الأرض التي وقعت بها المعركة بين الروم والفرس وانتصر بها الروم، وقد فسّر عدد من المفسرين هذه الكلمة بأنها منطقة واقعة بالقرب من الحجاز، وفسّر البعض الآخر أن هذه المنطقة هي أكثر المناطق انخفاضًا على سطح الأرض، وقد أثبت العلم الحديث باستخدام التكنولوجيا الحديثة أن المنطقة شهدت معركة عظيمة بين الروم والفرس في منطقةٍ قريبةٍ من البحر الميت، والتي يصل ارتفاعها حوالي 400 متر تحت مستوى سطح البحر، وهي بذلك أخفض البقاع على وجه الأرض، وقد ذكر البعض أن هذه المنطقة تعرضت فيما مضى إلى خسفٍ عظيم، ويمتد هذا الانخفاض من منطقة البحيرات في الشرق الإفريقي، ووصولًا إلى بحيرة طبريا، وهنا يظهر الإعجاز العلمي في تلك الآية.

السابق
سبب تسمية سورة المائدة
التالي
سبب تسمية سورة الفتح

اترك تعليقاً