القرآن الكريم

سبب تسمية سورة المائدة

القرآن الكريم

يحتل القرآن الكريم مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، فهو كتاب الله تعالى الذي ختم به الرسائل السماوية جميعها إلى أهل الأرض، وقد نزل القرآن العظيم على مرحلتين، وكانت المرحلة الأولى نزوله جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عدة آيات تدل على نزوله في ليلة القدر، من ذلك قوله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، وغيرها من الآيات التي تدل على نزوله جملة واحدة، أما المرحلة الثانية التي نزل فيها القرآن فقد نزل منجمًا؛ أي مفرقًا بواسطة الوحي جبريل عليه السلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد استمر نزوله 23 سنة، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}، وكانت حكمة الله سبحانه وتعالى من نزوله متفرقًا لتثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان ما فيه من تحدٍ وإعجاز، كما أنه نزل كذلك لمسايرة الأحداث والتدرج في سن التشريعات، وللدلالة القاطعة على أن القرآن الكريم منزل من عند الله سبحانه وتعالى، وقد قسم العلماء سور القرآن إلى سور مكية وسور مدنية، والسور المكية هي السور التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وإن نزلت بالمدينة، والسور المدنية هي ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة حتى ولو نزلت في مكة، وكانت آخر سورة نزلت من القرآن الكريم هي سورة المائدة، فقد ختم الله سبحانه وتعالى بها القرآن الكريم، وفي هذا المقال سنتحدث عن سبب تسميتها بسورة المائدة، وفضائلها، وأهم الأحكام التي وردت فيها.

سبب تسميّة سورة المائدة

سورة المائدة هي إحدى السور المدنية، وعدد آياتها 120 آية، وسميّت بسورة (المائدة)؛ لأنّ فيها قصة المائدة التي طلبها الحواريون من سيدنا عيسى عليّه السّلام، ونزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم منجمة؛ أي متفرقة، وقد قال بعض العلماء أنها نزلت بعد صلح الحدبية، ومنهم من يقول أنها نزلت بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، وأكثرها نزل على النبي وهو بين مكة والمدينة وهو راكب على راحلته، فبركت الناقة من ثقل الوحي فنزل النبي عنها، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها آخر سورة نزلت في القرآن الكريم، ولا يوجد نسخ في هذه السورة إلا ما روي عن بعض العلماء أن فيها آيتين منسوختين، ومنهم من يقول فيها تسع آيات منسوخة، وقد أورد القرطبي عن بعض العلماء أن السورة تضمنت ثمانية عشر حكمًا ولم ترد هذه الأحكام في سور القرآن الأخرى، وقد زاد عليها حكمًا آخر وهو رفع الآذان للصلوات الخمسة، وقد سميت المائدة بأسماء أُخرى، فقد سّميَت بسورة العقود؛ لورود كلمة العقود فيها، كما سّميت المنقذة؛ لأنها تنقِذُ صاحبها من ملائكة العذاب، ولها اسم آخر وهو سورة الأخيار لأنها حثّت على الوفاء بالعهد، وهذه من صفات الأخيّار.

وقد وردت قصة المائدة التي تنسب إليها سورة المائدة في قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ *إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ *قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ *قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ}، فالمائدة معجزة باهرة، وحجة قاطعة أنزلها الله سبحانه وتعالى على سيدنا عيسى عندما طلبها منه، وقد ورد أن قصة المائدة لم تذكر في الإنجيل، وأن المسيحين لم يسمعوا بها إلا من المسلمين لورودها في القرآن الكريم.

موضوعات سورة المائدة

تضمنت سورة المائدة العديد من الموضوعات، ومن أهم الموضوعات التي تضمنتها سورة المائد ما يلي:

  • تحدثت عن الأحكام الشرعيّة من عقود وذبائح وصيد، وأمرت بالعدل والاستقامة، وجاء التذكير فيها بنعم الله تعالى، خاصّةً هداية البشريّة إلى الإسلام.
  • دَعَت الآيات إلى الاهتداء بنور القرآن الكريم، وتحدثت عن أهل الكتاب وعن الميثاق الذي أخذه الله عليهم، ولكنهم نقضوه فجازاهم الله تعالى بتسليط بعضهم على بعض.
  • تطرقت الآيات الكريمة إلى قصة قابيل وهابيل، وكيف أنّ قابيل عصى الله تعالى وقتل نفسًا بريئةً بغير حق، مبيّنًا أنّ باب التوبة مفتوح للتائبين، وبيّنت عقاب الضالين وحد السرقة.
  • ذكرت الحَسَد الذي أظهره المنافقون واليهود للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقد تربصوا به وبأصحابه، ولكن الله عز وجل سيعصمُ الرسول صلى الله عليه وسلم من شرورهم ومكرهم.
  • وضّحت أن التوراة والإنجيل والقرآن كتب سماويّة استمدت الأحكام النورانية.
  • جاء التحذير واضحًا من موالاة اليهود والنصارى، وتحدثت عن العداوة التي يكنّها اليهود للمسلمين؛ فقد كثرت جرائمهم بالإضافة إلى الأقوال التي اتهموا فيها الذات الإلهيّة المقدسة.
  • تحدثت عن الأحكام الشرعية مثل: كفارة اليمين، وتحريم الخمر والميسر، وعقوبة الصيد في حالة الإحرام.
  • أمرت الناس بتقوى الله وبأهمية الوصية عند اقتراب الأجل.
  • تحدثت عن أهوال يوم القيامة وأنّ الله تعالى سيسأل الرسل عن أممهم، وعن المعجزات التي أيد الله بها عيسى عليه السلام خاصةً معجزة المائدة التي أنزلها الله على بني إسرائيل، وجاء في ختامها تبرئة المسيح عيسى بن مريم من دعوى الألوهية، وذلك واضح في قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}.إلى قوله تعالى: {لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

مقاصد الشريعة التي تضمنتها سورة المائدة

تضمنت سورة المائدة العديد من المقاصد الشرعية، وهذه المقاصد موزعة على الآيات حسب الآتي:

  • الآية 54: تحدثت عن حفظ الدين، وبيّنت حد الردة.
  • الآيات 31، 33، 45: تحدثت عن حفظ النفس والقصاص، وبيّنت حد الحرابة.
  • الآية 41: تحدّثت عن حفظ العرض، وبيّنت حد الرجم.
  • الآية 38: تحدّثت عن حفظ المال، وبيّنت حد السرقة.
  • الآية 90: تحدّثت عن حفظ العقل وبيّنت تحريم الخمر والميسر.
السابق
خواص سورة الفيل لهلاك الظالم
التالي
خواص سوره روم

اترك تعليقاً